عنوان هذا الفصل: دروس من هزيمة أحد
انتصر جيش المسلمين في بدر لكن الإسلام بقي مستهدفا بقوة وتصميم من قريش. قاد أبو سفيان بن حرب حملة عسكرية أولى على المسلمين بعد أيام قليلة من غزوة بدر، وكان تحت قيادته مائتا مقاتل، فهاجموا بعض واحات النخيل في المدينة وقتلوا اثنين من المزارعين الغافلين ثم عادوا إلى مكة. لكن مثل هذه الحملة لم ترو ظمأ قريش إلى الثأر من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وبقي زعماؤها يخططون لعدوان أكبر. وقاد حملة التعبئة لهذه الحرب عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وعبد بن أبي ربيعة، وكان رمزها الأساسي وقائدها أبو سفيان. تم التركيز أولا على حشد التمويل اللازم، فطُلِب من أبي سفيان ومن تاجر معه في رحلته الأخيرة للشام التبرع بعائدات القافلة كلها للحرب، ولقي الطلب موافقة غير مشروطة.
ثم بدأ زعماء قريش يحشدون العرب من حولهم ليشاركوا معهم في العدوان على المسلمين، فوافقت عدة قبائل من كنانة وأهل تهامة. واتفق عدد من القادة القرشيين على أن يخرجوا بنسائهم إلى الحرب، تأكيدا لالتزامهم بخوضها واستعدادهم لتحمل عواقبها، فكانت هند بن عتبة، زوجة أبي سفيان، من أشهر من خرج في الحملة من النساء.
وشارك في الحملة أيضا عبد مملوك لجبير بن مطعم، اسمه وحشي، وكان متخصصا في الضرب بالحربة، وهو سلاح لم يكن شائعا عند القبائل العربية. وقد تعهد له سيده بأن يعتقه ويعطيه حريته إن هو قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، عم النبي صلى الله عليه وسلم.
أكملت قريش استعداداتها للحرب، وجمعت جيشا قوامة ثلاثة آلاف رجل، أي ثلاثة أضعاف عدد الجيش الذي خرج إلى بدر، وبدأت حملتها العسكرية الجديدة ضد المسلمين في شوال من العام الثالث للهجرة، الموافق للعام 626 ميلادية تقريبا. تحرك الجيش باتجاه المدينة، وبعد عدة أيام، نزل في بطن السبخة من قناة على شفير الوادي، مقابل المدينة المنورة.
كان رأي النبي صلى الله عليه وسلم عندما بلغته أخبار الحملة القرشية أن يتحصن المسلمون داخل المدينة وينتظروا ما يفعله المعتدون، وقد أوضح ذلك لأصحابه: “إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها”. (1)
لكن عددا كبيرا من المسلمين فضلوا الخروج والتصدي للمعتدين، وبرروا ذلك بأن الجيش القرشي سيفهم خطة البقاء في المدينة على أنها علامة جبن وضعف من المسلمين. لذلك ألحوا على قائدهم أن يخرج بهم لصد العدوان.
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حماسة الأغلبية من أنصاره لهذا الرأي، دخل بيته بعد صلاة الجمعة وخرج بلباس الحرب. عندئذ شعر عدد من المسلمين بالقلق من أن يكونوا دفعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبني خطة عسكرية لم يكن راغبا فيها ولا متحمسا لها، فطلبوا منه أن يمضي في خطته الأولى إن أراد، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم رفض العرض، وتبنى خيار الأغلبية.
خرج النبي صلى الله عليه وسلم في جيش من المسلمين قوامه ألف مقاتل، ولما اقترب هذا الجيش من جبل أحد، على أطراف المدينة المنورة، تراجع عبد الله بن أبي، أشهر رموز للمنافقين، وقاد عملية انسحاب مخزية من الحملة، دخل فيها بعض أقاربه وأتباعه من المنافقين الآخرين، فكان مجموع المنسحبين معه ثلث الجيش الذي خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم. كان عبد الله بن أبي مؤيدا للرأي الأول الذي اقترحه النبي صلى الله عليه وسلم بالتحصن في المدينة وعدم الخروج منها، وقد برر انسحابه المشين من الحملة بأن النبي صلى الله عليه وسلم أطاع جمهور المسلمين ولم يسمع لرأيه هو.
بدا واضحا في تلك اللحظة حجم الخطر الكبير الذي كان يمثله المنافقون على المسلمين وعلى دولتهم ومستقبلهم. لقد تخلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في ساعة شديدة الصعوبة والخطر، وأربكوا خطته العسكرية، وسعوا لإشاعة أجواء الخوف والإحباط في صفوف الجيش عندما برروا انسحابهم أيضا بأنهم لا يريدون أن يقتلوا في ساحة المعركة.
حاول بعض الصحابة إثناء لواء المنافقين عن الإنسحاب من الجيش، لكنهم لم ينجحوا. عندئذ قال الصحابي عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه، يخاطب المنافقين: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم نبيه. (2)
بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم سبعمائة من أنصاره، نزل بهم في شعب من جبل أحد، فكان ظهره وعسكره ناحية الجبل. وفي الجانب المقابل، احتشد ثلاثة آلاف من مقاتلي قريش، ومعهم مائتا فارس، فكان خالد بن الوليد على ميمنة الفرسان وعكرمة بن أبي جهل قائد الميسرة. واندلعت الحرب عنيفة وشرسة بين المعسكرين.
سبع مائة مسلم مقابل ثلاثة آلاف ومائتي مشرك، أي أن المسلم الواحد يواجه أكثر من أربعة من جيش المشركين. لقد كان ميزان القوى العسكري مختلا بشدة لصالح الغزاة القادمين من مكة، لكن المسلمين صمدوا صمود الأبطال، ودافعوا عن دينهم وحريتهم وأنفسهم بشجاعة منقطعة النظير.
قاتل حمزة رضي الله عنه، عم النبي صلى الله عليه وسلم، ببسالة شديدة، وأدخل الخوف في صفوف القرشيين، لكن وحشيا كان له بالمرصاد. قال وحشي بعد ذلك يروي ما فعل: “كنت غلاما لجبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر. فلما سارت قريش إلى أحد، قال لي جبير: إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق. فخرجت مع الناس، وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة قلما أخطئ بها شيئا. فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهد الناس بسيفه هدا، ما يقوم له شيء. فوالله إني لأتهيأ له، أريده وأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني..”. (3)
ثم حانت اللحظة التي كان ينتظرها وحشي، وبدا حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم أمامه وقريبا من مرمى سلاحه. قال وحشي: “وهززت حربتي، حتى إذا رضيت منها، دفعتها عليه، فوقعت في ثنته (أي ما بين أسفل البطن إلى العانة)، حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي فغلب، وتركته وإياها حتى مات. ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر، فقعدت فيه ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأعتق”. (4)
ولقي الشهادة من المسلمين أيضا حامل لوائهم في معركة أحد وأول وأشهر سفير في تاريخ الإسلام، مصعب بن عمير رضي الله عنه، الذي مهد الأجواء لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ونجح بعلمه وبشاشاته وكياسته وحسن أخلاقه وإخلاصه في إدخال الإسلام إلى الأغلبية الساحقة من بيوت الأنصار. قتله رجل يسمى ابن قمئة الليثي، ظانا أنه إنما قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وراح يزعم لأصحابه في جيش المشركين أنه قتل محمدا.
بعد استشهاد مصعب رضي الله عنه، أمر النبي صلى الله عليه وسلم شابا شجاعا مقداما اسمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه برفع راية المسلمين، فحملها ودافع عنها بثبات وبطولة، وصمد بقية الصحابة دفاعا عن دينهم وحريتهم، إلى أن ظهرت علامات النصر الواضح، وبدت هزيمة المشركين محققة لا شك فيها، وبدأ جنود العدو يفرون أو يستعدون للفرار، وهربت خادمات هند بن عتبة زوجة أبي سفيان.
كان النصر النهائي للمسلمين قاب قوسين أو أدنى، لكنه ضاع من أيديهم فجأة بسبب خطأ فادح ارتكبته مجموعة منهم. كان النبي صلى الله عليه وسلم كلف، قبل بداية المعركة، فرقة من خمسين مقاتلا متخصصين في رمي النبل بحراسة ظهر المسلمين من جهة الجبل، وقال لقائدهم عبد الله بن جبير: “انضح (أي ادفع) الخيل عنا بالنبل، لا يأتوننا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا (أي إن انتصرنا أو هزمنا) فاثبت مكانك، لا نؤتين من قبلك”. (5)
لكن فرقة الرماة من المسلمين لم تلتزم بتعليمات النبي القائد. ذلك أن أصحابها لما رأوا جيش المشركين ينهزم ويتراجع، ولما رأوا النساء المشركات اللواتي جئن مع المقاتلين يهربن من ساحة المعركة، ظنوا أن نتيجة الحرب قد حسمت لصالح المسلمين، فتخلوا عن مواقعهم ونزلوا يتنافسون على جمع الغنائم. وحاول قائد فرقة الرماة أن يصد جنوده عن ترك مواقعهم، وذكرهم بأوامر النبي صلى الله عليه وسلم، لكنهم خالفوا أمره ونفذوا ما بدا لهم صوابا في تلك اللحظة.
انتبه خالد بن الوليد إلى تلك الثغرة المفاجئة التي خلفتها فرقة الرماة المسلمين، فالتف بخيله على جيش النبي صلى الله عليه وسلم وهاجمه من الخلف، وكانت ظهور المسلمين مكشوفة له، فقلب موازين المعركة، واسترد المبادرة لقريش، وبذلك تغير مجرى الحرب لصالح المشركين.
ونادى مناد من قريش يعلن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل فارتفعت معنويات المشركين واضطربت صفوف المسلمين وأصيبوا بنكسة شديدة. واقترب الجيش القرشي من النبي صلى الله عليه وسلم وناله بالحجارة، فجرح في وجهه، وكسرت رباعيته اليمنى السفلى، وجرحت شفته السفلى، وجرحت وجنته، وسال الدم على وجهه الكريم.
شعر المشركون أنهم اقتربوا كثيرا من تحقيق ما فشلوا فيه ليلة هجرة النبي إلى المدينة، عندما خططوا لاغتيال نبي الإسلام وتصفيته جسديا، فصعدوا القتال واستهدفوا النبي عليه الصلاة والسلام شخصيا، يريدون قتله. وبالمقابل، التف أنصار الإسلام يحمون نبيهم ويفدونه بأرواحهم، واستشهد عدد كبير منهم.
ولم تغب المرأة المسلمة عن هذه اللحظات العصيبة من تاريخ الإسلام، فقد كان ممن قاتل حول النبي صلى الله عليه وسلم ودافع عنه نسيبة بنت كعبة المازنية، ولقبها أم عمارة. مرة أخرى تحضر المرأة المسلمة في أوقات الشدة، ويحضر دورها الرائد الكبير في نصرة دعوة الإسلام وتثبيت أركانها. روت أم عمارة ما فعلت يوم أحد لقريبة لها فقالت:
“خرجت أول النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس، ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين. فلما انهزم المسلمون، انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال، وأذب عنه بالسيف، وأرمي عن القوس، حتى خلصت الجراح إلي. (ثم أشارت إلى آثار جرح غائر بقيت في عاتقها أصابها به ابن قمئة من جيش المشركين، وأضافت:) لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل (ابن قمئة) يقول: دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير، وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربني هذه الضربة ولكن فلقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كان عليه درعان”. (6)
وفي تلك اللحظات التي حوصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم في شعب من شعب جبل أحد، وظن فيها الكثير من أنصاره أنه قتل، ضرب العديد من المسلمين أمثلة نادرة في البطولة والتضحية والفداء. كان منهم أبو دجانة الذي جعل نفسه درعا للنبي صلى الله عليه وسلم كي لا تصيبه نبال العدو. ومنهم أنس بن النضر، لقي بعض الجنود المسلمين قد جلسوا وتركوا القتال، “فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله صلى الله وسلم، قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل”. (7)
وقاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد مخيريق، من يهود المدينة. حمل سيفه وعدته، وقال للناس: إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء. وشارك مخيريق في الحرب مع المسلمين حتى قتل. أما القبائل اليهودية الرئيسية فلم تشارك في معركتي بدر ولا أحد، بخلاف ما نص عليه دستور المدينة. وكان ذلك مؤشرا إلى تدهور العلاقات بين هذه القبائل وبين المسلمين، وهو مؤشر يضاف إلى مؤشرات أخرى منها المعارك التي وقعت بين المسلمين وبين يهود بني قينقاع ويهود بني قريضة. وأغلب الظن أن زعماء تلك القبائل اليهودية ظنوا أن قريشا ستهزم محمدا في نهاية المطاف فترواح موقفهم بين تأييد قريش وبين الحياد. مثل هذا التقدير للأمور لم يكن حكرا على اليهود، ولاشك أن القبائل التي خرجت مع قريش في حرب أحد كانت ترى نفس الرأي. لكن الوقائع والأيام بينت أن تلك التقديرات وتلك الحسابات لم تكن صحيحة. ومن هنا يمكن القول أن المعارك التي جرت في تلك الفترة بين القبائل اليهودية والمسلمين كانت إلى حد كبير نتيجة من نتائج تلك الحسابات الخاطئة.
انهزم جيش المسلمين في معركة أحد، ونال الشهادة سبعون من الصحابة رضي الله عنهم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل كما روج المشركون. عرفه كعب بن مالك، وهو من أنصاره، فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أبشروا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم. “فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به ونهض معهم نحو الشعب، معه أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، رضوان الله عليهم، والحارث بن الصمة ورهط من المسلمين”. (8)
وحاول خالد بن الوليد وعدد من المقاتلين المشركين معه صعود الجبل من جديد واستهداف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، فتصدى لهم عمر بن الخطاب وعدد من المقاتلين المسلمين حتى فرضوا عليهم النزول من الجبل. ودخل وقت صلاة الظهر فصلاها النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا من الجراح التي أصابته في المعركة، وصلى المسلمون خلفه قعودا.
انتهت الحرب بهزيمة المسلمين بعد أن كانوا منتصرين في جولاتها الأولى. ثم أشرف أبو سفيان على ساحة المعركة من مكان مرتفع في بعض شعاب الجبل المقابلة للمكان الذي تجمع فيه النبي وأصحابه، وأراد أن يتحقق من مصير النبي صلى الله عليه وسلم ووزيريه المشهورين أبي بكر وعمر، فنادى:
“أفي القوم محمد؟
فقال (النبي صلى الله عليه وسلم) لا تجيبوه.
فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة (أبو بكر)؟
قال (النبي صلى الله عليه وسلم): لا تجيبوه.
فقال (أي أبو سفيان): أفي القوم ابن الخطاب؟
فقال (أبو سفيان لما لم يجبه أحد): إن هؤلاء قتلوا، فلو كانو أحياء لأجابوا.
فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت يا عدو الله. أبقى الله عليك ما يخزيك. قال أبو سفيان: أعل هبل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه. قالوا ما نقول؟ قال: قولوا الله أعلى وأجل. قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه. قالوا ما نقول؟ قال: قولوا الله مولانا ولا مولى لكم. قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني”. (9)
أما المثلة التي أشار إليها أبو سفيان فقد تعرض لها حمزة عم النبي على يد هند بنت عتبة، وكانت عملا شنيعا ما حدث مثله في حروب المشركين الأخرى ضد المسلمين. أقبلت هند زوجة أبي سفيان بن حرب تنظر في وجوه القتلى وقد حسم أمر معركة أحد لصالح الجيش القرشي المعتدي، وفاضت بها مشاعر الحقد والكراهية فمضت مع عدد من النسوة اللاتي كن معها تمثل بالقتلى، تقطع الآذان والأنوف وتتخذ منها خلاخيل وقلائد توزعها على من حولها من خدم ومساعدين. ثم اتجهت إلى جثة حمزة رضي الله عنه، فمثلت به هو أيضا، وزادت فبقرت بطنه، واستخرجت كبده ووضعتها في فمها، ولاكتها، ولما لم تستسغها لفظتها.
ووقف أبو سفيان بنفسه على جثة حمزة، فراح يضرب شدقه برأس الرمح، إلى أن لمحه لامح واستغرب منه أن ينال من ابن عمه وهو ميت لا يستطيع الدفاع عن نفسه، فاعتذر قائلا: ويحك، اكتمها عني فإنها كانت زلة.
وهكذا انتهت حرب أحد، ثم انصرف الجيش القرشي عائدا إلى مكة، وتفرغ المسلمون لدفن شهدائهم. جرى ذلك يوم السبت في النصف من شوال في العام الثالث للهجرة النبوية، أي في العام 626 للميلاد.
دروس أحد
سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سعد بن الربيع، وكان أحد زعماء الأنصار الذين بايعوا الرسول في بيعة العقبة في مكة قبل هجرته، فتطوع أحد الأنصار للبحث عنه، وسعى فوجده جريحا يحتضر. فلما أبلغه أن النبي يسأل عنه أفي الأحياء هو أم في الأموات، رد عليه سعد: “أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام، وقل له إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم ومنكم عين تطرف”. (10). ثم نال سعد الشهادة.
وبحث النبي صلى الله عليه وسلم عن عمه حمزة رضي الله عنه، فوجده في ساحة المعركة شهيدا قد بقرت بطنه وخلعت كبده وقطع أنفه وأذناه. واشتد الألم والغضب بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه للتمثيل الشنيع الذي أوقعه القرشيون بالشهداء المسلمين، حتى توعد النبي صلى الله عليه وسلم بالإنتقام، وقال بعض المسلمين في سياق التعاطف والتضامن معه: والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب.
لكن الله سبحانه وتعالى أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم آيات من القرآن الكريم تنهى عن مثل هذا العمل وترشد المسلمين للأسلوب الصحيح في التعامل مع ما جرى:
“وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرين. وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُون. إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُون”. (النحل: 126-128)
وأقبلت صفية بنت عبد المطلب، شقيقة حمزة، تريد أن تراه، فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من ابنها الزبير بن العوام أن يحاول ردها كي لا ترى ما وقع على أخيها من تمثيل شنيع، لكنها أصرت قائلة: قد بلغني أن قد مُثل بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك. لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله. عندئذ أذن لها النبي برؤية حمزة، فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له. ثم أمر النبي بشهداء المسلمين فدفنوا في ساحة المعركة في سفح جبل أحد.
بقي حمزة رضي الله عنه رمزا شامخا في تاريخ المسلمين، ألقاب الشرف له كثيرة، منها أنه سيد الشهداء، ومنها أنه أسد الله وأسد رسوله. وكان عزاء أهله وعزاء أهالي سعد بن الربيع ومصعب بن عمير وسائر شهداء معركة أحد الآخرين أن العقيدة التي قدموا أرواحهم من أجلها بقيت حية متوهجة في صدور المؤمنين بها وأنارت من بعدهم قلوب مئات الملايين من البشر وما تزال.
ونزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى عبر ودروس من غزوة أحد:
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِين. هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِين. وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين. إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِين. وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِين. أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ. وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُون. وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِين. وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِين. وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين. وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين. فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين”. (آل عمران: 137-148)
ثم استمرت الآيات الكريمة تذكر المسلمين بانتصارهم في الجزء الأول من المعركة، وبأن عصيان بعضهم لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم وانشغالهم بأمور دنيوية مثل جمع الغنائم هو سبب تحول النصر إلى هزيمة وبلاء شديد. وتضمنت الآيات عتابا للذين سلموا بالهزيمة أو فروا يوم أحد، وذكرتهم مثلما ذكرت من بعدهم من أجيال البشر أن أمر الحياة والممات بيد الله وحده، وأن من أسمى الأمور وأعلاها قدرا أن يضحي الإنسان بنفسه في سبيل إيمانه بالله، وفي سبيل ما يتضمنه هذا الإيمان من انحياز لقيم الحرية والعدل والمساواة ومكارم الأخلاق ومحبة للخير وكراهة للشر.
وبما أن خروج النبي لملاقاة الجيش القرشي المعتدي في أحد كان خيار أغلبية المسلمين ولم يكن الخيار الأول للنبي، فقد نزلت آيات أخرى في ذات السياق تحث النبي على الإلتزام بالشورى رغم كل ما جرى:
“فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ”. (آل عمران: 159)
ثم حسمت الآيات الكريمة الأخرى في هذا السياق من سورة آل عمران أمر مسؤولية الهزيمة في أحد بأن نسبته إلى المسلمين أنفسهم، في بيان قوي ومعبر عن أهمية النقد الذاتي وضرورة الإعتراف بالخطأ وتصحيحه، وحثت بعد ذلك المؤمنين على نبذ الخوف، واليقين بالله والتوكل عليه، لأنه هو من نصر الأنبياء والمؤمنين من قبل أيام نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء والمرسلين:
“أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير. وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِين. وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُون. الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين”. (آل عمران: 165-168)
وإذا كان جنود الجيش القرشي قبلوا التضحية بحياتهم لهزيمة المسلمين، وإذا كانت أجيال من المقاتلين المغامرين بقيت حتى يومنا هذا وستبقى في المستقبل مستعدة للتضحية بالحياة من أجل احتلال بلد هنا وبلد هناك، ومن أجل نهب ثروات الشعوب، وترويج نظريات وقيم ظالمة، ومشاريع عنصرية أو استعمارية أو معادية للأديان السماوية جميعها وللحرية وحقوق الإنسان، فكيف لا يضحي المسلمون دفاعا عن عقيدة التوحيد ومبادئ العدالة والحرية والمساواة ومكارم الأخلاق في العالم؟
نعم، قد يلقى المسلم الشهادة، دفاعا عن عقيدته وحريته وكرامته، كما لقيها كثير من أصحاب موسى وعيسى عليهما السلام من اليهود والمسيحيين والأمم المؤمنة من قبلهم، ولكن الشهيد المؤمن عند الله له مقام عظيم:
“وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون. يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِين”. (آل عمران: 169-171)
هل يعني هذا أن الإسلام يفضل الموت على الحياة؟ كلا، ولكن خلاصة هذه الآيات أن المبادئ العظيمة النبيلة تحتاج إلى نفوس عظيمة تؤمن بها وتقبل التضحية بأغلى ما عندها في سبيلها. هل كان بالإمكان قهر الطغاة المستبدين في مراحل مختلفة من تاريخ العالم من دون وجود أفراد مستعدين للتضحية بأرواحهم من أجل الحرية؟ هل كان بالإمكان لشعوب كثيرة أن تستقل من ذل الإستعمار من دون أن يبرز من صفوفها مقاومون من أجل الحرية مستعدون للتضحية بحياتهم من أجل الإستقلال؟ هل كان بالإمكان دحر النازية والفاشية في أروبا من دون مئات الآلاف من الناس الشجعان الذين ضحوا بأرواحهم من أجل السلام والحرية؟ هل كان بالإمكان أن يهزم النظام العنصري في جنوب إفريقيا من دون وجود أجيال من الأفارقة الشجعان الذين أكدوا في مناسبات عديدة أنهم مستعدون لتقديم أرواحهم فداء للكرامة والحرية؟
إذا توفرت تلك الروح الشجاعة لدى المدافعين عن قيم الإيمان بالله والسلام والحرية وكرامة الإنسان فإن النصر يتحقق من دون شك ولا ريب:
“الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيم. الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل. فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ”. (آل عمران: 172-174)
إن النصر ليس عسكريا فحسب، وليس عسكريا في المقام الأول. ذلك أن انتصار المؤمن ليس في وجهه الأساسي رد عدوان الجيش القرشي أو عدوان أي جيش آخر معاد لحرية الإعتقاد وحرية العبادة. الإنتصار الحقيقي للمؤمن هو انتصار فكرة الإيمان، وتوثيق الصلة بين الخالق والمخلوق، على أساس المحبة والعبادة، والإلتزام من بعد بمنهاج الإيمان الذي يحرر الإنسان من العبودية للأوثان وللأوهام، ويقوده إلى محبة الناس وفعل الخير، ويؤهله لصناعة الحضارة. ولذلك جاءت الآيات الأخيرة من سورة آل عمران التي تحدثت بتوسع عن غزوة أحد ودروسها، جاءت هذه الآيات الكريمة لتذكر المسلمين والناس أجمعين بجوهر الموضوع الذي يجب ألا يغيب عن أي إنسان عاقل منصف:
وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَاب. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار. رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار. رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَار. رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَاد. فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَاب. لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَد. مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَاد. لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَار. وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَاب. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون”. (آل عمران: 189-200)
(1) ـ سيرة ابن هشام. الجزء الثالث. مصدر سابق. ص 16
(2) ـ المصدر السابق. ص 17
(3) ـ المصدر السابق. ص 22
(4) ـ المصدر السابق.
(5) ـ المصدر السابق. ص 18
(6) ـ المصدر السابق. ص 29-30
(7) ـ المصدر السابق. ص 30
(8) ـ المصدر السابق. ص 31
(9) ـ صحيح البخاري. الجزء الثالث. مصدر سابق. ص 20-21
(10) ـ سيرة ابن هشام. الجزء الثالث. مصدر سابق. ص 39
0 comments on “الفصل السابع من كتاب الدكتور محمد الهاشمي الحامدي: السيرة النبوية للقرية العالمية ـ طبع أول مرة عام 1996”