محمد الهاشمي الحامدي: الحلقة الأولى من سيرة المصطفى وحقيقة الإسلام قبل قيام الفرق

 

 

هنا النص أدناه للحلقة الأولى، ومرجعه وسائر الحلقات هو كتاب السيرة النبوية للقرية العالمية لمؤلفه محمد الهاشمي الحامدي، وهنا رابط فيديو الحلقة في فيسبوك وفي يوتيوب

فيسبوك

https://www.facebook.com/almustakillahofficial

يوتيوب

https://www.youtube.com/watch?v=pluBvb1PBIg

 

 

حلم عبد المطلب وأمنيته

 

تبدأ فصول هذه القصة النادرة التي صححت مسار التاريخ البشري وغيرت وجه الدنيا بأسرها بميلاد آخر الأنبياء والرسل، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، في النصف الثاني من القرن السادس بعد ميلاد السيد المسيح عليه السلام. إنها القصة التي غيرت وجه الدنيا كلها لما هو خير وأحسن وأجمل، كما سنرى بالأدلة الحاسمة التي لا شك فيها ولا غموض.

ولد النبي المصطفى محمد بن عبد الله بن عبد المطلب في عائلة عريقة كريمة من أبرز العائلات العربية في مكة، عام 570 للميلاد. تنتسب عائلته الى فرع بني هاشم، ضمن قبيلة قريش، أبرز القبائل العربية وأكثرها شهرة.

ومنذ البداية، ظهرت علامات تشابه ووشائج قربى بين المولود الجديد وبين عدد من أشهر الأنبياء والرسل. لقد تربى موسى عليه السلام وترعرع في قصر فرعون، وولد عيسى عليه السلام لمريم العذراء بأمر الله من غير أب. أما بطل هذه السيرة، خاتم النبيين،  فإنه ولد يتيما أيضا، حيث مات أبوه عبد الله في المدينة المنورة بعد شهور قليلة من زواجه بآمنة بنت وهب، أم النبي، وهي أيضا سيدة كريمة من فرع كريم في قبائل قريش، فرع بني زهرة.

 

عين زمزم والنذر الخطير

 

لنتوقف قليلا مع قصة الوالد.

كان عبد الله بن عبد المطلب، والد النبي عليه الصلاة والسلام، قد واجه الموت في مكة المكرمة قبل زواجه من آمنة ثم وفاته في المدينة المنورة.

المواجهة الأولى لها علاقة بموقف عبد المطلب قبل حوالي عقدين من الزمن أو أكثر، أي في العقد الرابع أو الخامس من القرن الميلادي السادس. كان عبد المطلب يحاول مع ابنه الوحيد آنذاك، واسمه الحارث، حفر بئر زمزم من جديد لتوفير مصدر دائم للمياه العذبة بجوار الكعبة المشرفة.

ترمز عين زمزم هي أيضا الى التاريخ الطويل الذي يربط بين الإسلام وبين أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام: ففى مكة المكرمة، وقبل آلاف السنين، كادت السيدة هاجر، زوجة ابراهيم عليه السلام، أن تموت عطشا مع ابنها الرضيع اسماعيل، لولا أن فجر الله لهما عين زمزم، تجري بماء عذب زلال يروي ظمأ الأم الكريمة، زوجة النبي الكريم وأم النبي الكريم، وينقذها وابنها من موت محقق.

والى اليوم، ونحن في الثلث الأول من القرن الهجري الخامس عشر، وبدايات القرن الحادي والعشرين للميلاد، مازال المسلمون يحيون قصة آل إبراهيم هذه عبر ركن أساسي من أركان فريضة الحج وسنة العمرة، هو ركن السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط، الجبلان المتقاربان اللذان جرت بينهما السيدة هاجر وهي تبحث عن قطرة ماء، إلى أن جاءها الفرج وتفجر نبع زمزم بين يديها في سفح جبل الصفا، وعلى بعد أمتار قليلة من الكعبة المشرفة.

طمست القرون المتعاقبة على صحراء مكة آثار بئر زمزم، غير أن عبد المطلب الذي يعرف خبرها وقصتها، رأى في منامه موضع هذه البئر بالتحديد، في مكان بين صنمين مشهورين يقدسهما أهل قريش هما إساف ونائلة، فأراد أن ينقب عليها من جديد.

مكة وأهلها وحجاجها في حاجة إلى الماء، وبعد هذه الرؤية تحمس عبد المطلب لفكرة التنقيب عن عين زمزم، ورأي فيها خدمة عظيمة الشأن لزوار مكة الكثيرين، الذين كانوا يحجون للكعبة كل عام، يقدمون القرابين للأصنام الكثيرة التي اتخذوها آلهة تقربهم الى الله زلفى حسب ظنهم. ومن هنا جاءت تسميتهم بالمشركين، لأنهم كانوا في أغلبهم يؤمنون بالله ولكن لا يوحدونه في العبادة، وإنما يشركون في عبادته اللات والعزى وأصناما كثيرة أخرى اعتقدوا فيها أنها واسطة بينهم وبين الله، وأنها تنفع وتضر، وتسمع منهم الدعاء وتجيبه.

للوهلة الأولى لم يكن في مشروع عبد المطلب للتنقيب عن بئر زمزم ما يزعج قادة قريش. غير أن التفاصيل التي رآها في منامه لم تساعده. إنه يريد أن ينقب عن زمزم بين وثني أساف ونائلة، وهذا الأمر أخاف قريشا، لأنها تخشى من غضب الصنمين المقدسين عندها، فاعترض قادتها على خطط عبد المطلب رغم أنه كان زعيما من كبار زعماء القبيلة. ولم يكن مع عبد المطلب آنذاك الا ابنه الوحيد، الحارث، وما كان الحارث قادرا على نصرة والده وحمايته في مجتمع تؤدي فيه العصبية العائلية والقبلية دورا مؤثرا وقويا.

غضب عبد المطلب من اعتراض قومه وتألم، وأدرك حاجته الماسة للأنصار من صلبه وذريته، فنذر لله نذرا أنه إن أعطاه عشرة أولاد قادرين على حمايته ونصرته، لينحرنَّ واحدا منهم أمام الكعبة المشرفة قربانا لله تعالى واعترافا بفضله.

مرت الأيام مسرعة كما هو شأنها منذ أول الدهر. وما هي إلا سنوات قليلة حتى تحقق لعبد المطلب مراده: رزقه الله عشرة أولاد يتمتعون بالصحة والفتوة والقوة. وما أن اكتمل عقدهم بأصغرهم، بالإبن العاشر عبد الله، حتى قرر عبد المطلب أن يوفي بنذره، ويقدم واحدا من أبنائه العشرة قربانا لله تعالى.

والد الرسول

أخبر الوالد أبناءهم بما عزم عليه فلم يعارضوا ولم يتمردوا. تلك كانت أعراف عصرهم وعاداته. والتأم شمل الجميع عند الكعبة المشرفة لإتمام هذا الاختبار القاسي العسير، بحضور جمهور كبير من قريش.

اختار عبد المطلب اعتماد القرعة، على الطريقة السائدة في عصره، لتحديد مَن مِن أبنائه سيكون القربان. وضعت عشرة قداح، وكتب على كل قدح اسم من أسماء الأبناء العشرة، وقام شخص محايد بإجراء القرعة، فكانت النتيجة أن وقعت على أصغر أبناء عبد المطلب وأحبهم الى قلبه: عبد الله.

كل الآباء يعرفون ما لأصغر الأبناء من موقع مميز في القلب ومن المحبة والتدليل، ولم يكن عبد المطلب مختلفا عن بقية الآباء. كان حبه لعبد الله قويا، ولعله كان يتمنى لو وقعت القرعة على غيره، لكن الأمر حسم علنا، وزعيم مثل عبد المطلب لا ينقض نذرا نذره لربه، ولا يمكنه أن يطلب إجراء القرعة من جديد.

جرى كل هذا أمام أعيان مكة وعامتها، فكبر عليهم جميعا أن يموت هذا الشاب اليافع وفاء بالنذر القديم، وبحثوا عن حل مستساغ في تقاليدهم وأعرافهم، وتوصلوا لاقتراح قبل به عبد المطلب. طلبوا من الوالد تأجيل ذبح ابنه حتى يستشيروا امرأة حكيمة كانوا يترددون عليها في خيبر ويستعينون بها لمثل هذه الأمور. وبذلك أصبحت قريش بأسرها طرفا في هذا الموقف العائلي المعقد، كما هو شأن القبيلة العربية في تاريخها الطويل، إذ لطالما قامت بأدوار اجتماعية عظيمة، وهي وما تزال تفعل ذلك في المجتمعات التي بقي فيها للقبيلة دور وشأن.

سمعت المرأة الحكيمة تفاصيل القصة ثم سألت زعماء قريش عن دية الشخص عندهم، فقالوا إنها عشرة من الإبل. والدية عند العرب هي ما يدفعه أهل القاتل لأهل القتيل، إذا رضي أهل القتيل بدية مالية بدلا من القصاص الكامل الذي يعني النفس بالنفس.

نصحت المرأة الحكيمة أهل قريش أن يعودوا الى الكعبة ويجروا القرعة مجددا بين عشرة من الإبل وعبد الله. فإذا وقعت القرعة على عبد الله فإن عليهم مضاعفة الدية، الى أن تقع القرعة على الدية. رضيت قريش بالإقتراح وعادت من عند الحكيمة العرافة من أهل خيبر راضية مسرورة بهذه التسوية، وهي تسوية قبلها عبد المطلب أيضا.

جرت القرعة الأولى بين عبد الله وبين عشرة من الإبل فخرجت على عبد الله. قدمت قريش عشرة أخرى من الإبل، وجرت القرعة بين عبد الله وعشرين من الإبل، فخرجت مرة أخرى على عبد الله. وأضافت قريش عشرة إبل أخرى لكن النتيجة لم تتغير. وبقيت قريش تزيد وتزيد حتى قدمت تسعين من الإبل، لكن القرعة خرجت مرة أخرى على عبد الله.

لم تتغير النتيجة إلا عندما وصلت الدية الى مائة من الإبل. أنذاك فقط خرجت القرعة على الإبل وليس على عبد الله. هللت قريش مبتهجة بالنتيجة، فقد استطاعت أن تنقذ من الموت شابا من أنبل شبانها وأكرمهم. لكن عبد المطلب أصر على أن يتأكد، وأن يجري القرعة مرة ثانية بين الإبل المائة وابنه عبد الله، فخرجت مجددا على الإبل. ثم أصر عبد المطلب على اجراء القرعة مرة ثالثة.

كان يأخذ نذره لله على أعلى درجات الصدق والجدية. وكان يريد أن يطمئن أنه لم ينكث عهده أمام الله، ويثبت لخالقه أنه مستعد لتقديم أي تضحية مطلوبة لتأكيد صدقه. ووسط هذا الحرص الشديد من عبد المطلب على الوفاء بعهده لربه، كانت روح عبد الله في الميزان، عبد الله الذي سيصبح من بعد زوجا لآمنة بنت وهب، وأبا لخاتم النبيين.

أجريت القرعة للمرة الثالثة فخرجت مرة أخرى على الإبل. وتنفس عبد المطلب الصعداء. وغمرت الفرحة أهل قريش الذين وقفوا كلهم وقفة رجل واحد لإنقاذ عبد الله. أحس الجميع أن العناية الإلهية تدخلت مباشرة لحفظ هذا الشاب اليافع النبيل.

وربما طافت بخاطر عبد المطلب قصة أخرى مشابهة جرت في التاريخ البعيد، قصة لم ينسها العرب ولم يهملها التاريخ، وقد جعلها الإسلام من بعدُ العيد الأكبر من بين العيدين الدينيين الوحيدين للمسلمين: عيد الفطر في نهاية رمضان، والعيد الأكبر، أي عيد الإضحى في نهاية موسم الحج.

كانت قصة واقعية شديدة الشبه بما جرى لعبد الله، وكان لها بطلان: الأول هو إبراهيم الخليل، والثاني هو ابنه اسماعيل، عليهما الصلاة والسلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه الحلقات وقف لله تعالى. يمكن إعادة بثها إذاعيا وتلفزيا دون قيود بشرط عدم تحريف النص.

معلومات عنّا Dr. Hechmi Hamdi

Mohamed Elhachmi Hamdi (Ph.D), SOAS graduate (University of London), Leader of Tayyar Al Mahabba Party in Tunisia and fourth placed presidential candidate in the 2014 elections; author of “the Politicisation of Islam” (Colorado: Westview Press, 1988); “The Making of an Islamic Political Leader” (Colorado: Westview Press, 1988); “Muhammad for the Global Village” (Riyadh: Maktaba Dar-us-Salam, 2008). Email: info@alhachimi.org

0 comments on “محمد الهاشمي الحامدي: الحلقة الأولى من سيرة المصطفى وحقيقة الإسلام قبل قيام الفرق

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: