محمد الهاشمي الحامدي: مناقشات في التوحيد والدعاء والتوسل والإستغاثة

بسم الله الرحمن الرحيم

الموقف الشرعي الصحيح من مناداة غير الله عز وجل في الدعاء

نقاش مستفيض في حيثيات هذا الموضوع وما يتصل به من أمور التوحيد والتوسل والإستغاثة

بقلم: د. محمد الهاشمي الحامدي

هذه محاضر نقاش تلفزيوني جرى ضمن عدة حلقات من برنامج جوهر الموضوع، قدمتها على شاشة قناة المستقلة، وكان منطلقه سؤال حول ظاهرة دعاء غير الله عز وجل، كقول بعضهم يا علي أدركني أو يا بدوي أغثني أو جيلاني أعنّي، وموقف الشرع من هذه الصيغ في الدعاء

بدأت تقديم الحلقات يومي السبت 1 والأحد 2 أكتوبر 2022

على بركة الله تعالى، مستعينا به سبحانه، طالبا منه التوفيق والقبول والهداية لما يحبه ويرضاه من الحق والعلم والقول، أنظّم أفكار هذا الكتاب وأرتبها حسب المسائل التي أثيرها وأطرحها خلال البث لمباشر للحلقات التلفزيونية عن هذا الموضوع، وحسب المناقشات التي أدخل فيها في فيسبوك أو تويتر، مع المشاهدين والقراء، الذين يتفاعلون مع ما أطرحه من مسائل ويعلقون عليها، فأكتب في نفس الموقع ردودي عليهم، ليطلع عليها الناس، وأعيد ذكرها على الشاشة لتعميم الفائدة.

اللهم يسّر ولا تعسّر، وبارك في هذا الجهد وتقبله بوافر الأجر والعطاء يا أكرم الأكرمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الأبرار، وصحيه الكرام الأخيار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

منطلق النقاش

دعوت مشاهدي قناة المستقلة لمتابعة حلقات من برنامج جوهر الموضوع هدفها بيان الحكم الشرعي في مناداة غير الله عز وجل وقت الدعاء، وأفسحت المجال لعدد من المتصلين هاتفيا بالبرنامج للمشاركة في النقاش كما رحبت بالتعليقات في موقِعَي التواصل الإجتماعي تويتر وفيسبوك. ونشرت في صفحتيَّ بهذين الموقعين، يوم السبت 5 ربيع الأول 1444 هجري الموافق 1 أكتوبر 2022 ميلادي نصّين قصيرين جعلتهما منطلقا للحوار.

قلت في النص الأول: لكل قاصد ضريح الحسين في العراق أو ضريح البدوي في مصر يدعوهما طالبا منهما النّفع هذا النهار: اعلموا إخوتي وأخواتي أنهما لا ينفعانكم بشيء أبدا ولا يسمعان دعاءكم مطلقا. كما أن فعلكم هذا محرّم في الشرع بشدّة ومخالف لما ترددونه في كل صلاة: [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ].

وقلت في النص الثاني: فرق كبير بين زيارة القبور والدعاء لمن فيها وبين زيارتها ودعاء من فيها والاستغاثة بهم ومناداتهم بدل مناداة رب العالمين. الأولى حلال والثانية عمل من أعمال الشرك وإثم عظيم.

المناقشة رقم 1

طلب الإستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته

وجد هذا الموضوع تفاعلا واسعا في موقع فيسبوك خاصة، وكان ممّن ردّ علي في صفحتي الرسمية الأخ أ. الياسري ويبدو أنه من العراق، قال: أنت دكتور جاهل جدا وما عندك بعد نظر. وعزّز قوله معلق اسمه (العلم نور) قال: “يريدون بس يمشون حجايتهم (يقصد: أحاديثهم) تكله هاي (يقصد فترد عليه بـ) آيات قرآنية تكول (يقصد تقول) رب العالمين يريد أسبابا لاستجابة الدعاء فيتجاهل هذه الآيات. مثلاً }وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا{ و }قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِين و }قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُون{. وهناك كثير من هذه الآيات”.

جوابي هو التالي: اعلم أخي الكريم أن الآية الأولى التي استشهدت بها تتحدث عن معاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وتحثهم على الذهاب إليه في حال ارتكاب الذنوب والمعاصي والطلب منه بأن يستغفر لهم بعد أن يستغفروا من ربهم الذي خلقهم. وهذا أمر لا خلاف حوله أبدا، فمن هو المسلم العاقل الذي لا يرجو أن يستغفر له الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته؟

طلب أبناء يعقوب عليه السلام من أبيهم

وأما الثانية من أبناء يعقوب عليه السلام فليس فيها ما أبدا ما يبرر مناداة غير الله في الدعاء. هؤلاء فتية ارتكبوا خطأ فادحا جسيما في حق أخيهم النبي وفي حق والدهم النبي، لفلما بان الحق وانكشف أمرهم، طلبوا من أبيهم، النبي الكريم والرجل الصالح، أن يستغفر لهم. نحن نطلب ممن نظن فيه بعض الصلاح، وهو ليس نبيا مثل سيدنا يعقوب عليه السلام، نطلب منه أن يستغفر لنا ويدعو لنا عسى ربنا عز وجل يقبل منه، فكيف بأبناء يعقوب ووالدهم من نعرف شأنه وقدره عند الله سبحانه وتعالى وعند العباد؟!!

وأما استشهادك بقوله تعالى }قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ{ فلم يتبين لي ما علاقته بموضوع النقاش، الذي هو الحث على مناداة الله عزّ وجلّ وحده وقت الدعاء والتحذير من مناداة أحد من دونه لأن ذلك عمل من أعمال الشرك والعياذ بالله تعالى.

كلام نفيس لحفيد الإمام الحسين

أضيف هنا ما يلي:

هذا هدي أركان وَسَادة أهل البيت في الدعاء. هذا الإمام السجّاد، علي زين العابدين، رضي الله عنه، يحذّر من دعاء غير الله عز وجل والإستغاثة بسواه، ويقول في الدعاء 13 من الصحيفة السجادية، ويقول:

“يا من لا تنقطع عنه حوائج المحتاجين .و يا من لا يعنيه دعاء الداعين .تمدحت بالغناء عن خلقك و أنت اهل الغني عنهم .ونسبتهم الي الفقر و هم أهل الفقر اليك. فمن حاول سد خلته من عندك، و رام صرف الفقر عن نفسه بك فقد طلب حاجته في مظانها، و أتي طلبته من وجهها. ومن توجه بحاجته الى أحد من خلقك أو جعله سبب نجحها دونك فقد تعرض للحرمان، واستحق من عندك فوت الاحسان. اللهم و لي اليك حاجة قد قصّر عنها جهدي، و تقطعت دونها حيلي، وسوّلت لي نفسي رفعها الي من يرفع حوائجه اليك، و لا يستغني في طلباته عنك، و هي زلة من زلل الخاطئين، وعثرة من عثرات المذنبين. ثم انتبهت بتذكيرك لي من غفلتي، و نهضت بتوفيقك من زلتي، ورجعت ونكصت بتسديدك عن عثرتي. وقلت : سبحان ربي كيف يسأل محتاج محتاجا؟ وأنّى يرغب مُعدم الي مُعدم؟ فقصدتك يا الهي بالرغبة، وأوفدت عليك رجائي بالثقة بك، وعلمت أن كثير ما أسألك يسير في وُجدك، و أن خطير ما أستوهبك حقير في وسعك، وأن كرمك لا يضيق عن سؤال أحد، وأن يدك بالعطايا أعلى من كل يد”.

تعليقي على كلام الإمام السجاد: المفروض أن هذا القول النفيس يغلق باب الجدل حول مناداة غير الله سبحانه وتعالى وقت الدعاء، لأنه يعتبر من يفعل ذلك مستحقا للحرمان. والمفروض أن هذا الكلام النفيس يؤكد لكل باحث عن الحقيقة بنية صادقة أن منهج أعلام أهل البيت في الدعاء يرفض الإستغاثة بغير الله عز وجل وينهى نهيا واضحا قطعيا عن مناداة غيره وقت الدعاء.

تذكرة من كتاب الله عز وجل

قال ربّنا عزّ وجلّ: }ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13) إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)} [فاطر : 13-14[.

المناقشة رقم 2

هل عوام الناس بحاجة لواسطة إذا دعوا ربهم؟

عندما نشرت كلام الإمام السجاد رد عليّ الأخ ش عيسى من النجف، في العراق، وقال لي: هذا الامام يتحدث عن نفسه أما نحن عوام الناس فلابد لنا من واسطة الى الله سبحانه وتعالى.

فأجبته بما نصّه: كلا. ذلك مقصود منه توجيه المسلمين إلى الأسلوب الشرعي الصحيح للدعاء. وإن كان عندك ذرة شك فاسمع كلام الإمام علي رضي الله عنه وهو يقول في نهج البلاغة: “واعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء وتكفل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه”. ركز كثيرا كثيرا على قوله رضي الله عنه وأرضاه: “ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه”. باب الله مفتوح لك ولكل من يدعوه. وهو سبحانه القائل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين}. (سورة فاطر: 60).

المناقشة رقم 3

هل الدعوة لمناداة الله في الدعاء

هجوم على أولياء الله الصالحين؟

رد علي ع أحمد ويبدو أنه من مصر، قال: “هوا أنت حضرتك دكتور محمد مهمتك بس مهاجمة اولياء الله الصالحين دا اللى ربنا قدرك عليه. هوا انت تفهم اكثر من الشيخ الشعراوى ولا الشيخ احمد عمر هاشم ولا الشيخ على جمعه ولا ولا ولا

بقولك اتق الله وبلاش تهاجم الاولياء على مر السنين اللى بهاجم الاولياء عمرة مابشوف مكسب ولازم يجيلك خبطه تقطم وسطك”.

وقد كتبت له هذا الرد: كيف هاجمتهم؟ هل تجد فيما نشرته حرف هجوم عليهم؟ أين هو لأحذفه فورا. كل ما كتبته وقلته هو أنه لا يجوز مناداة غير الله تعالى عند الدعاء. لا يجوز أن تقول يا بدوي أغثني أو يا علي أدركني. هذا عمل من أعمال الشرك. ولكن المنهج الصحيح هو: إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله. وجه الخطاب وقت الدعاء لمن يجيب المضطر إذا دعاه. قل يا رب. يا إلهي. اللهم. اقرأ قول الله تعالى: [وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ ٱلظَّٰلِمِين[.

المناقشة رقم 4

هل الذهاب إلى الطبيب شرك؟

ردّ عليّ ش الزيادي من العراق بنبرة ساخرة فقال: أصبح المسلمون يذهبون الى الأطباء حينما يمرضون ويعلمون ان الله وحده هو الشافي. اليس هذا شرك يا دكتور؟

فكتبت له هذا الجواب: حديثنا ليس عن التداوي عند الطبيب والاستعانة بالمهندس وخبير الحاسوب والحداد والنجار والسباك ومن في عداد هؤلاء من الأمور التي لا خلاف حولها بين عامة الناس فهذه أسباب مطلوب من المسلم أن يطلبها في حياته اليومية حسب حاجته. وإنما حديثنا في باب الدعاء والتوحيد عن الذين يقصدون الأموات في قبورهم يدعونهم بدل التوجه إلى رب العباد سبحانه ويطلبون منهم الرزق والذرّية والشفاء من الأمراض وصلاح الذرية ونجاحهم في حياتهم وطول العمر. حديثنا عن الأدعية التي لا يطلبها المسلم إلا من ربه عز وجل، كما قال سيدنا عي في نهج البلاغة: الى ما قاله سيدنا عي في نهج البلاغة يبين النهج الصحيح للدعاء: فإذا ناديته سمع نداءك، وإذا ناجيته علم نجواك، فأفضيت إليه بحاجتك، وأبثثته ذات نفسك، وشكوت إليه همومك، واستكشفته كروبك، واستعنته على أمورك، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطاء غيره من زيادة الاعمار وصحة الأبدان وسعة الأرزاق. لاحظ الكلمات بين قوسين: وسألته من خزائن رحمته (ما لا يقدر على إعطاء غيره) من زيادة الاعمار وصحة الأبدان وسعة الأرزاق.

المناقشة رقم 5

ما معنى قوله تعالى }وابتغوا إليه الوسيلة{؟

نشرت تفسير الطبرسي، المفسر الشيعي المشهور، لقوله تعالى في الآية 35 من سورة المائدة: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون{ وقوله بأن المراد منها: اطلبوا إليه القربة بالطاعات، وقلت ما يلي: إلى إخوتي المسلمين الشيعة: نقلت لكم من قبل كلام الإمام علي وحفيده علي زين العابدين في النهي الشديد عن دعاء غير الله عز وجل، فقال بعضكم إننا ندعو عليا والحسين من باب ابتغاء الوسيلة الى الله عز وجل. تجدون هنا ما قاله أشهر مفسري الشيعة للقرآن الكريم، وتأكيده أن ابتغاء الوسيلة إلى الله عز وجل هو التقرب إليه بالطاعات.

يا إخوتي اتقوا الله ولا تدعوا أحدا من دونه. أما مرّ عليكم قوله تعالى في الآية 106 من سورة يونس عليه السلام: {وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ ٱلظَّٰلِمِين{.

موالاة أهل البيت لا تجّوز مناداتهم في الدعاء

فوصلني تعليق من الأخ م الشمّاع من العراق هذا نصه: “موالاة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله من الطاعات ولهذا تكون الوسيلة التمسك بالطاعات التي منها موالاة محمد وال محمد. لكن الجميل بالموضوع انك تصفنا بالاخوة وهذا يكفي بيننا انك لم تخرجنا عن الإسلام”.

فكتبت له هذا الجواب: الموالاة يا أستاذ معناها مختلف تماما عن دعاء على والحسين وقول: يا علي أدركني. يا علي اشفني. يا حسين ارزقني. وهذا هو موضوع حديثي. الموالاة غير قول القائل: (ناد عليا مظهر العجائب تجده عونا لك في النوائب). مثل هذه الأعمال مروق واضح عن هدي أهل البيت ومخالفة صريحة لهديهم ولأوامر القرآن الكريم قبل ذلك وللنبي محمد عليه الصلاة والسلام. أنا أتحدث عن هذه الظاهرة، وأحذر منها المسلمين الشيعة والسنّة، لأن في أهل السنّة أيضا من يقول يا بدوي أغثني ويا جيلاني أدركني. يا أستاذ: ربنا الكريم يقول: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُون}. اسأل نفسك: من يجيب المضطر إذا دعاه؟ هل أحد مع الله أم ربّنا العزيز وحده؟ ثم اقرأ الآية من جديد.

المناقشة رقم 6

رد على عبارة “ناد عليا مظهر العجائب تجده عونا لك في النوائب”

كتبتُ تنويها في فيسبوك وتويتر مساء الأربعاء 12 أكتوبر 2022 عن استئناف النقاش حول موضوع بطلان مناداة غير الله عز وجل في الدعاء، فردّ علي أحد المعلقين في فيسبوك، يكتب باسم س محمد، وقال: “نادِ عليا مظهر العجائب ــ تجده عونا لك في النوائب”.

رددت عليه في فيسبوك بما نصّه: يا أخي أمرك عجيب حقا. ربنا القوي العزيز يدعوك ويدعو عباده جميعا للتوجه إليه مباشرة عند الدعاء. قال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين} (فاطر:60). وأنت إذا قرأت سورة الفاتحة في كل صلاة قرأت فيها: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. والإمام علي رضي الله عنه، الذي تصر على مناداته في دعائك وقت النوائب يرشدك ويعلمك ويوجهك إلى دعاء الله سبحانه وتعالى وحده، فلماذا تعاند يا أخي الكريم وتنتهج ما يخالف أوامر القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهات أشهر أئمة أهل البيت؟

هذا النداء الذي كتبته في تعليقك نداء شركي. وترديده عمل من أعمال الشرك. نداء باطل ومناقض لتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية وتوجيهات أئمة أهل البيت رضي الله عنهم.

 
الإمام علي رضي الله عنه يقول لك بصريح العبارة، في كتاب نهج البلاغة المعتمد والموثوق لدى الشيعة، يقول لك: “اعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء، وتكفل لك بالإجابة وأمرك أن تسأله ليعطيك، وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة ولم يعاجلك بالنقمة، ولم يعيرك بالإنابة…. فإذا ناديته سمع نداك، وإذا ناجيته علم نجواك، فأفضيت إليه بحاجتك، وأبثثته ذات نفسك، وشكوت إليه همومك، واستكشفته كروبك، واستعنته على أمورك، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره من زيادة الأعمار، وصحة الأبدان، وسعة الأرزاق، ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته واستمطرت شآبيب رحمته، فلا يقنطنك إبطاء إجابته، فإن العطية على قدر النية وربما أخرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل، وأجزل لعطاء الآمل وربما سألت الشي‏ء فلا تؤتاه وأوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً أو صرف عنك لما هو خير لك فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله”.

ثم هل نسيت ما قاله الإمام علي زين العابدين في الدعاء 13 من الصحيفة السجادية وهو يناجي ربه عز وجل ويناديه: “فمن حاول سدّ خلته من عندك، و رام صرف الفقر عن نفسه بك فقد طلب حاجته في مظانها، و أتي طلبته من وجهها. ومن توجه بحاجته الى أحد من خلقك أو جعله سبب نجحها دونك فقد تعرض للحرمان، واستحق من عندك فوت الاحسان”.

فكيف بالله عليك تقول بعد هذا “ناد عليا مظهر العجائب تجده عونا لك في النوائب”؟ اتق الله واترك هذا النداء ولا تكرره فإنه باطل قطعا.

ملحوظة مهمة عن معنى الوسيلة

اسمعوا يا مسلمي العالم. بخصوص قوله تعالى في الآية 34 من سورة (المائدة): [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون]. اعلموا أن الوسيلة هي العمل الصالح كما بين ذلك ربنا سبحانه تعالى في سورة (سبأ) الآية 37: [وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُون]. طاعة الله بصالح الأعمال هي الوسيلة. هكذا بيّن القرآن الكريم والرسول صلّى الله عليه وسلم وسيّدنا علي في نهج البلاغة وحفيده علي بن الحسين في الصحيفة السجّادية وابن كثير في تفسيره والطبرسي الشيعي في تفسيره.

فائدة فيما يخص دعاء الذين هم من دون الله

يا مسلمي العالم: هل سيدنا علي، و نجله الحسين، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو السيد أحمد البدوي، أو أي ولي صالح يخاطبه بعض المسلمين وينادونه وقت الدعاء بصيغة يا علي أو يا حسين أو يا جيلاني أو يا بدوي، هل هو (ندّ) لله تعالى أو هو (من دونه)؟

قطعا هو من دونه.

فاسمعوا إذا قول ربّنا عزّ وجلّ في سورة (سبأ) الآية 22: [قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِير]. وقال سبحانه في سورة (فاطر) الآية 13 والآية 14: [ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِير ¤ إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير].

الأمر واضح كالشمس. لا تقولوا وقت الدعاء يا علي أو يا حسين أو يا جيلاني أو يا بدوي. هذه صيغة باطلة وعمل من أعمال الشرك. قولوا يا رب. قولوا اللهم. قولوا يا الله. ونِعم بالله القدير السميع المجيب الكريم.

……

معلومات عنّا Dr. Hechmi Hamdi

Mohamed Elhachmi Hamdi (Ph.D), SOAS graduate (University of London), Leader of Tayyar Al Mahabba Party in Tunisia and fourth placed presidential candidate in the 2014 elections; author of “the Politicisation of Islam” (Colorado: Westview Press, 1988); “The Making of an Islamic Political Leader” (Colorado: Westview Press, 1988); “Muhammad for the Global Village” (Riyadh: Maktaba Dar-us-Salam, 2008). Email: info@alhachimi.org

0 comments on “محمد الهاشمي الحامدي: مناقشات في التوحيد والدعاء والتوسل والإستغاثة

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: