هذا ما حررته حتى الآن في كتابي الجديد “الإسلام والدولة والحكم الرشيد”. التاريخ: الإثنين 9 يوليو 2018
- نقطة البداية في هذا الكتاب هي أن التركيز على نظريات ماكيافيلي وهوبز وروسو في دراسة الفكر السياسي الحديث، واعتبار أنها هي الأساس له، توجه أكاديمي خاطئ، وله مساوئ خطيرة.
- إن اعتبار آراء ونظريات الفلاسفة اليونانيين قبل ميلاد السيد المسيح، ثم آراء ونظريات مفكري القرون الست الأخيرة في أوروبا، نقطة البدء في دراسة نظريات الحكم والسياسة، ليس إلا مظهرا لفكرة المركزية الأوروبية. بينما الحقيقة أن العالم أوسع وأكبر من أوروبا. وهو بهذا التنوع أغنى وأجمل.
- بالنسبة للحداثة، والسياق الزمني لظهور النظريات السياسية المعاصرة، يجب أن ننتبه إلى أن ماكيافيلي الذي يصنف رائدا للنظريات السياسية المعاصرة ولد عام 1469. وفي بداية ذلك القرن نفسه، 1406، توفي المؤرخ العربي عبد الرحمن ابن خلدون صاحب كتاب المقدمة الشهير وربما المؤسس الحقيقي لعلم الإجتماع. كانت نظرية ابن خلدون عن الحكم والسياسة أعدل وأرقى بكثير، فكريا وأخلاقيا، من نظرية ماكيافيلي.
- لكن هناك معطى آخر في مسألة تحديد معنى المعاصرة وشروطها، أهم من تواريخ ميلاد ووفاة كبار الفلاسفة والمفكرين الذين اعتنوا بمسائل الدولة والحكم والسياسة. الحقيقة أنه في العالم الإسلامي على وجه الخصوص ، تبقى الأفكار الدينية حية وقوية جداً في أذهان كثير من أتباعها، تشبه في قوة تأثيرها ما كان عليه الأمر يوم أوحي بها إلى نبي الإسلام محمد.
5… ما أريد أن أقوله هنا أن جميع المهتمين بدراسات الفكر السياسي الحديث في أي مكان في العالم سيستفيدون كثيرا من دراسة النظريات السياسية المستندة إلى التعاليم الإسلامية. هناك أفكار عظيمة مهمة في كتاب “المقدمة” لابن خلدون عن العدل كأساس لتقدم الدول وازدهارها، وعن الظلم كعامل حاسم في سقوطها وانهيارها، وهناك كتب ووثائق مهمة أخرى، وأقرب كثيرا لزماننا هذا، أشهرها كتاب “في النظام السياسي للدولة الإسلامية” للمفكر والمحامي والسياسي المصري محمد سليم العوا، وهناك الوثائق التي نشرها المجلس الإسلامي في لندن بقيادة السفير سالم عزام عن مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام ونظام الحكم السياسي الإسلامي. وما أنوي كتابته هنا، هو إضافة متواضعة لهذه النظريات، من وحي العصر الذي أعيش فيه، ومن وحي ما أتيح لي من معارف في جامعات تونس وبريطانيا، ومن تجاربي في مجالي الإعلام والسياسة.
- هل يصح الحديث عن “نظام الحكم الإسلامي”؟
هناك سؤال يفرض نفسه في بداية تناول موضوع موقف الإسلام من مسائل الدولة والحكم والنظام السياسي، هو التالي: هل يوجد في الإسلام بشكل واضح ما يجوز لنا أن نطلق عليه عبارة النظام السياسي الإسلامي، أو نظام الحكم الإسلامي؟ أم أن ما يوجد في الإسلام هو مجموعة قواعد وتوجيهات ومبادئ، مبثوثة في ثنايا القرآن الكريم وأحاديث النبي محمد، تقود إذا تم اعتمادها والعمل بها لقيام نظام سياسي شرعي وعادل وحكم رشيد، ويكون من الأصح بالتالي أن نستخدم عبارة النظام المتوافق مع تعاليم الإسلام في الدولة والحكم والسياسة، أو النظام الأقرب إليها، أو الأكثر تعبيرا عنها؟
- لا يوجد نظام حكم إسلامي، محدّد واضح المعالم ومفصّل، ربما لأن الله الخالق العليم قدّر أن هذا هو الأصلح لعباده، لأن أمر الحكم والسياسة يتأثر بتغيّر الزمان والمكان، ولكن بالمقابل، توجد في القرآن الكريم وأحاديث النبي محمد، توجد قطعا، أسس وتوجيهات واضحة تحث على إقامة نظام سياسي عادل وشفاف، وحكم رشيد وشوري وخاضع للقانون، وتبين الشروط الأساسية لذلك.
- افترض المفكر السياسي والفيلسوف الانجليزي توماس هوبز في التأسيس لنظريته السياسية حول وجوب إقامة دولة قوية تحمي الإنسان من شر أخيه الإنسان وجود ما سماه ب”حالة الطبيعة”. حالة الإنسان، أو الناس بصيغة الجمع، قبل قيام مجتمع سياسي يضمهم وحكومة تدير شؤونهم. وقدم صورة مخيفة مظلمة حول حالة الطبيعة هذه. أناس تحركهم غريزة البقاء ومصالحهم الذاتية فقط، ما يقود لحرب الكل ضد الكل، ولجحيم حقيقي على الأرض.
- 9. ثم جاء المفكر السياسي والفيلسوف الانجليزي جون لوك (1632-1704)، من بعد توماس هوبز (1588-1679)، فاعتبر أن الناس في “حالة الطبيعة” لم يكونوا أشرارا بالفطرة والممارسة يعتدي بعضهم على بعض كما تصور هوبز، ولكن كانوا يتمتعون بحقوق طبيعية منحها لهم الله الذي خلقهم، وهي بالأساس الحق في الحياة، والحرية، والتملك، أي التصرف في ملكية فردية تخصهم وتعود إليهم كأفراد. ولحماية هذه الحقوق بطريقة أفضل، اتفقوا على إقامة دولة تصون تحمي هذه الحقوق للجميع وتمنع التجاوزات، وتحمي الشعب كله أيضا من تجاوز الملوك والحكام إذا طغوا واستبدوا وهددوا هذه الحقوق الإلهية والطبيعية للناس.
0 comments on “كتابي الجديد: الإسلام والدولة والحكم الرشيد. أول تسع نقاط”