هذه مقدمة كتاب جديد بدأت بتحريره عن الموضوع المبين في العنوان. نقطة البداية في هذا الكتاب هي أن التركيز على نظريات ماكيافيلي وهوبز وروسو في دراسة الفكر السياسي الحديث، واعتبار أنها هي الأساس له، توجه أكاديمي خاطئ، وله مساوئ خطيرة. إن اعتبار آراء ونظريات الفلاسفة اليونانيين قبل ميلاد السيد المسيح، ثم آراء ونظريات مفكري القرون الست الأخيرة في أوروبا، نقطة البدء في دراسة نظريات الحكم والسياسة، ليس إلا مظهرا لفكرة المركزية الأوروبية. بينما الحقيقة أن العالم أوسع وأكبر من أوروبا. وهو بهذا التنوع أغنى وأجمل.
بالنسبة للحداثة، والسياق الزمني لظهور النظريات السياسية المعاصرة، يجب أن ننتبه إلى أن ماكيافيلي الذي يصنف رائدا للنظريات السياسية المعاصرة ولد عام 1469. وفي بداية ذلك القرن نفسه، 1406، توفي المؤرخ العربي عبد الرحمن ابن خلدون صاحب كتاب المقدمة الشهير وربما المؤسس الحقيقي لعلم الإجتماع. كانت نظرية ابن خلدون عن الحكم والسياسة أعدل وأرقى بكثير، فكريا وأخلاقيا، من نظرية ماكيافيلي. وقد استمد ابن خلدون نظريته هذه من هدي الإسلام، كما يعبر عنه القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة الموثوقة لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام.
لكن هناك معطى آخر في مسألة تحديد معنى المعاصرة وشروطها، أهم من تواريخ ميلاد ووفاة كبار الفلاسفة والمفكرين الذين اعتنوا بمسائل الدولة والحكم والسياسة. الحقيقة أنه في العالم الإسلامي على وجه الخصوص ، تبقى الأفكار الدينية حية وقوية جداً في أذهان كثير من أتباعها، تشبه في قوة تأثيرها ما كان عليه الأمر يوم أوحي بها إلى نبي الإسلام محمد.
ما أريد أن أقوله هنا أن جميع المهتمين بدراسات الفكر السياسي الحديث في أي مكان في العالم سيستفيدون كثيرا من دراسة النظريات السياسية المستندة إلى التعاليم الإسلامية. هناك أفكار عظيمة مهمة في كتاب “المقدمة” لابن خلدون عن العدل كأساس لتقدم الدول وازدهارها، وعن الظلم كعامل حاسم في سقوطها وانهيارها، وهناك كتب ووثائق مهمة أخرى، وأقرب كثيرا لزماننا هذا، أشهرها كتاب “في النظام السياسي للدولة الإسلامية” للمفكر والمحامي والسياسي المصري محمد سليم العوا، وهناك الوثائق التي نشرها المجلس الإسلامي في لندن بقيادة السفير سالم عزام عن مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام ونظام الحكم السياسي الإسلامي. وما أنوي كتابته هنا، هو إضافة متواضعة لهذه النظريات، من وحي العصر الذي أعيش فيه، ومن وحي ما أتيح لي من معارف في جامعات تونس وبريطانيا، ومن تجاربي في مجالي الإعلام والسياسة.
د. محمد الهاشمي الحامدي، خريج كلية الدراسات الشرقية والافريقية، جامعة لندن
0 comments on “عادل ومعاصر: بحث في هدي الإسلام عن شرعية النظم السياسية والحكم الرشيد (1)”