عنوان هذا الفصل: الإيمان في مواجهة السيف
سلك الجيش القرشي طريق العودة إلى مكة، لكنه توقف بعد مسيرة أميال قليلة في منطقة تسمى الروحاء، وقد بدا لقيادته رأي جديد يميل إلى تجديد العدوان على المسلمين واستئصالهم مرة واحدة.
إن النزعة الإستئصالية في السياسة والفكر نزعة قديمة يؤمن بها دائما أعداء الحرية وأعداء حرية الإعتقاد، الذين لا يرون من سبيل للتعامل مع المخالفين في الرأي والعقيدة إلا سبيل القوة والقمع. رأى زعماء الجيش القرشي أن يعودوا ويهاجموا النبي صلى الله عليه وسلم من جديد، وقالوا: أصبنا حد أصحابه وأشرافهم وقادتهم، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم؟ لنكرن على بقيتهم فلنفرغن منهم.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد تحوط لمثل هذه الخطة، فدعا أنصاره يوم الأحد السادس عشر من شوال، للعام الثالث من الهجرة، أي بعد يوم واحد من معركة أحد، دعاهم للخروج معه في حملة عسكرية جديدة، أراد بها إيصال رسالة لأعدائه بأن هزيمة الأمس لم تقض عليه ولا على جيشه، ولم تضعف عزيمة المسلمين للدفاع عن أنفسهم وحريتهم في الإعتقاد والعبادة. وسميت تلك الحملة غزوة حمراء الأسد، وهو موقع يبعد عن المدينة المنورة ثمانية أميال فقط.
وجاء مسافر من قبيلة عبد القيس إلى حمراء الأسد، وكان قد مر بالجيش القرشي واستمع إلى أبي سفيان، وحمل منه رسالة شفوية للنبي صلى الله عليه وسلم، مفادها أن قريشا عازمة على استئناف الحرب لاستئصال من تبقى من المسلمين، فلم يخف النبي عليه الصلاة والسلام ولم يجزع، وإنما قال: حسبنا الله ونعم الوكيل.
لكن القتال لم يقع بين الطرفين بسبب الدور الذي قام به معبد بن أبي معبد الخزاعي، وهو آنذاك رجل مشرك من قبيلة خزاعة التي اشتهرت بتقديرها للنبي صلى الله عليه وسلم وتعاطفها معه. مر معبد أولا على جيش المسلمين، وأبدى تعاطفه معهم في مصابهم بالأمس، ثم مضى إلى الروحاء فلقي جيش المشركين بزعامة أبي سفيان، وعرف منهم عزمهم على العودة لقتال النبي صلى الله عليه وسلم واستئصال أنصاره. سأل أبو سفيان معبدا: “ما وراءك يا معبد؟
قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط.
قال: ويحك، ما تقول؟
قال: والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل.
قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم.
قال: فإني أنهاك عن ذلك”. (1)
عندئذ قبل أبو سفيان نصيحة معبد وقرر العودة بالجيش إلى مكة، لكن خيار الحرب على المسلمين والسعي لاستئصالهم بقي حجر الزاوية في الإستراتيجية السياسية والعسكرية لزعماء مكة من المشركين. ولا شك أن انتصارهم في أحد شجعهم على التمسك بهذا الخيار وشجع آخرين في الجزيرة العربية على التشدد في عداوتهم للمسلمين.
غدر أهل عضل والقارة
من هؤلاء الآخرين وفد من قبيلة عضل والقارة، من الهون بن خزيمة بن مدركة، وصل المدينة بعد حرب أحد، في العام الثالث للهجرة، وقال أفراده للنبي صلى الله عليه وسلم إن الإسلام وصل إلى ربوعهم وآمن به عدد من قومهم، وهم يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل معهم بعض أصحابه لتعليمهم الدين والقرآن الكريم وشرائع الإسلام. فاستجاب لهم النبي صلى الله عليه وسلم عن حسن نية، وأرسل معهم ستة من أنصاره لأداء هذه المهمة، لأنه داعية إلى الله، وتلك هي وظيفته الأساسية في تاريخ البشرية.
لكن أهل عضل والقارة كانوا يضمرون الشر والغدر بالمسلمين. فلما وصلوا إلى الرجيع، وهو موضع ماء لقبيلة هذيل في الحجاز، نادوا أهل هذيل لمحاصرة المسلمين والقبض عليهم، ثم قالوا للدعاة المسلمين الستة: إنا والله ما نريد قتلكم، ولكننا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة، ولكم عهد الله وميثاقه ألا نقتلكم.
ما أسوأ ما صنع أهل عضل والقارة، يطلبون الدعاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلموهم الإسلام، ثم تنكشف نواياهم فإذا هم يريدون اعتقال هؤلاء الدعاة وأسرهم وبيعهم لألد أعداء الإسلام من طغاة قريش.
أما أمير الوفد المسلم مرثد بن أبي مرثد فرفض أن يصدقهم، وأيده في ذلك اثنان من أصحابه: خالد بن البكير وعاصم بن ثابت. دافع الثلاثة عن أنفسهم بسيوفهم فقتلهم أهل الغدر ومن لبى نداءهم من الرعاع للمشاركة في ارتكاب تلك الجريمة البشعة. ثم لم يكفهم القتل، وأرادوا بيع رأس عاصم بن ثابت لامرأة مشركة تدعى سلافة بن سعد بن شهيد كانت نذرت أن تشرب الخمر في رأسه لأنه أصاب ابنيها في معركة أحد. وعندما عادوا إليه بعد يوم من قتله وجدوا أن السيل قد جرف الجثة فلم يعثروا لها على أثر.
وأما المسلمون الثلاثة الآخرون: زيد بن الدثنة، وخبيب بن عدي، وعبد الله بن طارق، فسلموا أنفسهم لوفد الغدر. حاول عبد الله الهرب بعد ذلك فقتله المجرمون رجما بالحجارة، وأما خبيب وزيد فباعوهما لقريش مقابل أسيرين من هذيل كانا محبوسين في مكة.
اشترى صفوان بن أمية، أحد الزعماء الطغاة المشركين في قريش، زيد بن الدثنة، وقتله في موكب حضره أبو سفيان وكثير من الناس. وأما خبيب فحبسه قادة قريش أياما ثم خرجوا به إلى ضواحي مكة ليصلبوه. وقبل أن ينفذوا جريمتهم طلب منهم أن يسمحوا له بالصلاة فوافقوا. صلى خبيب رضي الله عنه ركعتين، ثم قال للجلادين: أما والله لولا أن تظنوا أني أنما طولت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة. ونقلت كتب التاريخ أبياتا من الشعر لخبيب وصف فيها مشاعره لحظات قبل أن يصلب، هذه بعضها:
لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا
قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
إلى الله أشكوا غربتي ثم كربتي
وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
فوالله ما أرجو إذا مت مسلما
على أي جنب كان في الله مصرعي
فلست بمبد للعدو تخشعا
ولا جزعا، إني إلى الله مرجعي
ثم أقبل طغاة قريش إلى خبيب فرفعوه على خشبة وصلبوه. واستشهد بذلك العضو السادس في الوفد الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم مع وفد عضل والقارة، من بعد أن وقعوا ضحية لعملية غدر شنيعة لا يقبلها ضمير ولا دين. وصل الخبر إلى المدينة المنورة فتلقاه أهلها بالحزن الشديد، ولكنهم احتسبوا شهداءهم عند الله، وهم الذين عرفوا من أول أمر الإسلام أنهم سيتعرضون لمثل هذا الكيد وما هو أشد منه، وسيلقون من القمع والأذى مثل لقيته أجيال سابقة لهم من المؤمنين وأنصار الأنبياء.
حادثة بئر معونة
في العام الرابع للهجرة، تعرض المسلمون لعملية غدر أخرى شنيعة للغاية. بدأت الحادثة بمقدم رجل من أهل نجد، خبير بفنون القتال، اسمه أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ولقبه “ملاعب الأسنة”. قدم الرجل إلى المدينة المنورة، وهناك دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأبدى اهتماما بالأمر، لكنه لم يقبل أو يرفض بوجه واضح، وإنما قدم للنبي صلى الله عليه وسلم عرضا جديرا بالإهتمام، وقال له:
“يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك، رجوت أن يستجيبوا لك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أخشى عليهم أهل نجد.
فقال أبو براء: أنا جار لهم، فابعثهم فليدعو الناس إلى أمرك”. (2)
قبل النبي صلى الله عليه وسلم عرض عامر بن مالك بعد أن تعهد بحماية الوفد المسلم، واختار المنذر بن عمرو على رأس وفد من أربعين من خيار المسلمين، وكلفهم بأداء المهمة، وهي مهمة واضحة المعالم من سياق القصة، وليس فيها إلا عرض رسالة الإسلام على أهل نجد، ودعوتهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، على أن يبقى أمر قبول هذه المبادئ أو رفضها للناس، فإن اقتنعوا بها وآمنوا بها فذاك ما يرجوه المسلمون، وإن رفضوها فقد جاء في القرآن الكريم أنه لا إكراه في الدين.
لكن دعوة السلام قوبلت بالغدر والعدوان. ذلك إنه عندما وصل وفد المسلمين الأربعين إلى بئر معونة، وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم، بعثوا واحدا منهم، هو حرام بن ملحان، برسالة من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل، أحد الزعماء المعروفين في قبيلة بني عامر. فلما جاءته الرسالة، أبى أن يفتح ويقرأ ما فيها إلا بعد أن يقتل حاملها المسلم، وكانت تلك جريمة أولى مخالفة لكل الأعراف والمواثيق السائدة في تلك المنطقة.
ثم مضى بعد ذلك لتنفيذ جريمته الأكبر، وطلب من بني عامر أن يخرجوا معه لقتل الوفد المسلم، فلما لم يستجيبوا له احتراما لوعد عامر بن مالك للنبي صلى الله عليه وسلم بحماية مبعوثيه، مضى فحصل على الدعم الكافي من قبائل بني سليم المجاورة من عصية ورعل وذكوان، وتقدم بهم في جيش تجمع أهله على نية الشر والعدوان، مهمته الوحيدة قتل مجموعة من الدعاة المسلمين الذين جاؤوا بعهد أمان من أبي براء عامر بن مالك بن جعفر، يعرفون الناس برسالة الإسلام عبر منهج الحوار وليس عبر العنف والقتال.
ولما وصل عامر بن الطفيل ومن معه إلى مكان تجمع المسلمين في بئر معونة، أحاطوا بهم وهاجموهم، وقتلوهم جميعا، إلا واحدا منهم هو كعب بن زيد، فقد أصيب بجروح بالغة حتى ظن المعتدون أنه قتل، لكنه نجا بعد ذلك، ثم لقي الشهادة في معركة الأحزاب التي جرت بعد عامين. وقتل المعتدون أيضا مسلما آخر كان بعيدا عن الموقع لما حصلت المجزرة بحق أصحابه، كما أسروا مسلما آخر لم يكن موجودا وقت الحادثة أيضا هو عمرو بن أمية، وقد أبقى عامر بن الطفيل على حياته وفاء بنذر سابق لأمه.
كانت تلك الإبادة الجماعية للدعاة المسلمين صدمة كبيرة للمسلمين، وكانت في نفس الوقت دليلا واضحا لا لبس فيه على الأخطار الكبيرة المحدقة بالدولة الإسلامية الوليدة في الجزيرة العربية. إن الأوضاع السياسية والعسكرية القائمة في تلك الفترة، كانت تشير بوضوح إلى أن المسلمين في المدينة المنورة مستهدفون، لا من قريش فقط، ولكن من كثير من القبائل المجاورة الأخرى، وأن قريشا وهذه القبائل غير مستعدة للإعتراف بحق المسلمين في العيش بحرية وأمان في دولتهم، دعك من أن تسمح لهم بالدعوة إلى الإسلام بالحوار والطرق السلمية. ولعل هذه الأحداث تساعد الباحث المنصف على فهم المعارك العسكرية التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنهم إنما كانوا يدافعون عن وجودهم وحريتهم وعقيدتهم، في وجه جهات معادية كثيرة لا تخفي نواياها، وتخطط في السر والعلن لاستئصال المسلمين مرة واحدة.
عاد عمرو بن أمية إلى المدينة المنورة. وفي طريق عودته، وجد اثنين من قبيلة بني عامر فقتلهما انتقاما مما فعله عامر بن الطفيل بأصحابه. لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرض بصنيعه رغم الفاجعة الكبرى التي ألمت بأصحابه، وتعهد بدفع دية القتيلين، بسبب معاهدة جوار سابقة بينه وبين بني عامر.
وجرت بعد ذلك مفاوضات بين النبي وبين إحدى القبائل اليهودية، بني النضير، لتأمين دية القتيلين، وذلك لأن بني النضير كان لهم هم أيضا عقد وحلف مع بني عامر. غير أن مسار المفاوضات تعقد عندما حاول بعض بني النضير اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، واقترب الموقف من مواجهة عسكرية، لكن الحرب لم تتم لأن بني النضير طلبوا من النبي أن يسمح لهم بمغادرة المدينة إلى خيبر أو الشام، فقبل ذلك لهم.
غزوة ذات الرقاع وغزوة بدر الآخرة
أظهرت العمليتان الغادرتان اللتان تعرض لهما المسلمون في العام نهاية العام الثالث وبداية العام الرابع للهجرة أن الدولة الإسلامية الناشئة مطالبة بإثبات قدرتها على الدفاع عن نفسها، وأنها إن لم تفعل ذلك فإنها تواجه خطر التصفية الكاملة.
وفي هذا السياق، قاد النبي صلى الله عليه وسلم حملة عسكرية في جمادى الأولى من العام الرابع للهجرة استهدفت بني محارب وبني ثعلبة من غطفان في منطقة نجد، وسميت تلك الحملة بغزوة ذات الرقاع، نسبة لشجرة تسمى بهذا الإسم في المكان الذي نزل فيه الجيش المسلم، أو نسبة لحادثة ترقيع عدد من رايات الجيش. ولم يحصل في هذه الغزوة قتال، رغم أن الجيش المسلم واجه جيشا كبيرا من غطفان، لكن إرادة الطرفين التقت على التفرق من دون الدخول في حرب.
وقبل أن يتفرق الجيشان، حاول أحد مقاتلي غطفان، ويدعى غورث، أن يحسم المعركة كلها لوحده، إذ قال لأصحابه: “ألا أقتل لكم محمدا؟ قالوا: بلى، وكيف تقتله؟ قال: أفتك به. قال: فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس، وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره. فقال: يا محمد، أنظر إلى سيفك هذا. قال: نعم. فأخذه (أي غورث) فاستله، ثم جعل يهزه، ويهم (بقتل النبي) فيكبته الله. ثم قال: يا محمد، أما تخافني؟ قال: لا، وما أخاف منك؟ قال: أما تخافني وفي يدي السيف. قال: لا، يمنعني الله منك. ثم عمد (غورث) إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده إليه”. (3)
ثم جاءت ذكرى غزوة أحد، وكان أبو سفيان قد واعد المسلمين على اللقاء لحرب أخرى بعدها بعام واحد في بدر، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في جيش من أصحابه، ووصل بدرا وأقام بها ثمانية أيام يتوقع عدوانا جديدا من المشركين.
وبالفعل، جمعت قريش جيشا بقيادة أبي سفيان، واستعدت لشن حرب جديدة على المسلمين. لكن أبا سفيان غير رأيه عندما وصل بجيشه إلى منطقة عسفان، وقال لمن معه: “يا معشر قريش، إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر وتشربون فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب، وإني راجع فارجعوا”. (4) فأطاعوه وعادوا إلى مكة. فلما وصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، عاد بأصحابه إلى المدينة المنورة من دون قتال.
ومع أن أهل مكة انتقدوا أبا سفيان وجيشه، وسموهم جيش السويق، وقالوا لهم إنما خرجتم تشربون السويق، فإن هذا اللوم لم يكن كله في محله. ذلك أن أبا سفيان ومن معه من زعماء قريش لم يتجنبوا الحرب إلا لأسباب تتعلق بتأمين شروط نجاحها، وخاصة على الصعيد المالي، أما موقفهم الجوهري والإستراتيجي فإنه لم يتغير، وهو حشد كل الإمكانيات لحرب فاصلة تستأصل الإسلام وتقضي على النبي وأصحابه.
ومرة أخرى تظهر الصورة الحقيقة للكفاح التاريخي الذي خاضه النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في مواجهة محيط معاد لا يعرف غير لغة السيف، محيط لا يقبل الدخول في حوار من أجل تبين الحق، ولا يقبل بحق الإختلاف، ولا يرى من سبيل للتعامل مع المؤمنين بالله إلا سبيل فرعون في التعامل مع موسى وبني اسرائيل، وإلا سبيل قوم إبراهيم في التعامل مع نبي الله إبراهيم، عندما ألقوه في النار ليحرقوه ويتخلصوا منه.
إن الدولة الإسلامية الوليدة تبدو للباحث التاريخي، عشية العام الرابع للهجرة، جزيرة معزولة وسط محيط من الشرك والطغيان والشر، جزيرة يتربص بها أبو سفيان بن حرب وزعماء قريش من جهة، وقبائل أخرى كثيرة لا تفوت فرصة للغدر بالمسلمين والنيل منهم. ومع ذلك، لا يصدر عن المسلمين إلا ما يؤكد نبلهم، وشجاعتهم، وإيمانهم العميق بالله، واستعدادهم للتضحية من أجل الحرية. كانت البشرية كلها تشهد ميلاد جيل جديد فريد من البشر يتعلم في مدرسة القرآن الكريم، ويقرأ فيها مثل هذه التوجيهات والمعاني العظيمة:
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُون. نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُون. نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيم. وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين. وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم. وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم. وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون. فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُون. وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير”. (فصلت: 30-39)
في مدرسة القرآن الكريم، ثم في مدرسة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، تعلم المسلمون قيم السماحة والعفو وأهمية إعمال العقل والتدبر في آيات الله والتحرر من الخضوع للأصنام والخرافات والأوهام. وتعلموا أيضا أهمية صلة الرحم وضرورة معاملة كل الأقارب بأحسن صورة حتى وإن بدت منهم جفوة ومعاملة سيئة. قال الرسول عليه الصلاة والسلام: “ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها”. (5)
وكانت تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم تذكر المسلمين دائما أن أبواب الخير والعمل الصالح كثيرة لا عد لها ولا حصر، منها قوله لأصحابه ذات يوم: “على كل مسلم صدقة. قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فيعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق. قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: فيعين ذا الحاجة الملهوف. قالوا: فإن لم يفعل؟ قال فيأمر بالخير، أو قال بالمعروف. قال فإن لم يفعل؟ قال فيمسك عن الشر فإنه له صدقة”. (6)
ذلك كان شأن المسلمين، وتلك كانت توجيهات القرآن الكريم والنبي إليهم، ترشدهم إلى مقومات بناء الأسرة المترابطة، والمجتمع الصالح المتراحم، وإلى النهج الأمثل في الحوار والدعوة للإيمان.
وقد عاشت المدينة في النصف الثاني من العام الرابع والنصف الأول من العام الخامس فترة هدوء وسلام، ولم يسجل فيها إلا خروج النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الجندل، بعد أن استعمل سباع بن عرفطة الغفاري واليا على المدينة في غيابه. وقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل دومة الجندل، ولم يحصل قتال ولم تحدث خسائر.
غزوة الأحزاب
لم يكن سعي المسلمين لتأمين المدينة من مؤامرات الأعداء والعيش في سلام هدفا سهل المنال. فمقابل مبادئ الإيمان والسلام والمحبة والعفو والتسامح وصلة الرحم التي كانوا يتعلمونها من القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم، كان كثير من الخصوم في مكة وخارج مكة ينهلون من معين آخر، ويؤمنون بقيم أخرى، قيم السيطرة والتسلط واستخدام العنف لقمع المخالفين ومحاصرة المؤمنين بالله. وقد قادت هذه القيم والمبادئ أصحابها إلى حشد قواهم وإمكانياتهم من جديد للعدوان على المسلمين والقضاء على دولتهم الوليدة وإزالتها بشكل نهائي.
وهكذا شرع خصوم الإسلام في النصف الثاني من العام الخامس للهجرة، في الإعداد لغزوة الأحزاب، وهي حملة عسكرية جديدة، أرادوا لها ألا تكون مثل حملتي بدر وأحد، وإنما لأن تكون المعركة الفاصلة التي تنهي مسيرة الإسلام وتسقط دولته وتقضي على نبيه صلى الله عليه وسلم ومن آمن به من الناس.
بدأت غزوة الأحزاب بفكرة من بعض خصوم المسلمين في المدينة المنورة، منهم سلام بن أبي الحقيق النضري، وحيى بن أخطب النضري، وكنانة بن أبي الحقيق النضري، من قبيلة بني النضير، إحدى القبائل اليهودية، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبي عمار الوائلي. خرج هؤلاء في وفد مشترك إلى مكة، والتقوا بقادة قريش، وحثوهم على خوض حرب جديدة ضد المسلمين، وتعهدوا بدعم هذه الحرب، وقالوا لهم: سنكون معكم عليه (يقصدون النبي صلى الله عليه وسلم) حتى نستأصله. كما زعم الوفد لقادة قريش أن دينهم خير من دين محمد صلى الله عليه وسلم!
ولاشك أن فهم دوافع تحرك هذا الوفد لحشد الجيوش ضد المسلمين ليس أمرا صعبا أو معقدا، ذلك أن عددا من أبناء هذه القبائل غادر المدينة بعد مواجهات سابقة مع المسلمين، فكانوا يعتبرون أنفسهم في معركة مفتوحة معهم، كما أن حساباتهم السياسية كانت ترجح أن نهاية المواجهات بين قريش والمسلمين، وهم كانوا على صواب في الظاهر، لإن الإمكانيات البشرية والعسكرية والمادية عند قريش كانت أكثر بكثير مما عند المسلمين. وكان هناك عامل الخلاف الديني أيضا، وهو عمل وقف وراء كثير من النزاعات في كل أرجاء المعمورة، قديما وحديثا.
لم يواجه الوفد صعوبة كبيرة في إقناع قادة قريش بوجاهة خوض حرب جديدة ضد المسلمين، لأن هؤلاء كانوا يحدثون أنفسهم باستئصال الإسلام منذ ظهوره لأول مرة، وقد حاولوا ذلك من قبل في غزوتي بدر وأحد، وفي ما سمي بحملة السويق. وإنما كانت زيارة الوفد لهم حافزا إضافيا لهم، شجعهم على البدء فورا في إعداد حملة عسكرية جديدة.
بعد إقناع قريش بخوض الحرب، اتصل وجهاء الوفد القادم من المدينة بقادة غطفان، من فرع قيس عيلان، ونقلوا إليهم أنباء استعدادات قريش لتسيير حملة عسكرية جديدة ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وحثوهم على المشاركة فيها، وأكدوا لهم بأنهم سيدعمون هذا التحالف، فاستجاب زعماء غطفان للعرض ودخلوا طرفا في التحالف.
اكتملت أركان التحالف السياسي والعسكري المعادي للنبي صلى الله عليه وسلم، وانطلقت حملة عسكرية كبيرة باتجاه المدينة المنورة، في شهر شوال من العام الخامس للهجرة، قوامها جيش قرشي كبير يقوده أبو سفيان، ومعه جيش من حلفاء قريش من بني كنانة وأهل تهامة، وجيش من قبيلة غطفان يقوده عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، كما شارك في الحملة مقاتلون من قبائل بني فزارة وبني مرة وأهل أشجع.
وصلت أخبار تحرك جيش البغي الجديد إلى المدينة المنورة، فأدرك المسلمون أن الخطر المحدق بهم كبير وعظيم، وشرع النبي صلى الله عليه وسلم فورا في وضع خطة للتصدي له. وفي هذا السياق، برز اسم رجل مسلم مشهور من أهل فارس، يحبه المسلمون من كل جيل، هو سلمان الفارسي رضي الله عنه.
قدم سلمان إلى المدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها بعدة سنوات، وتسلط عليه بعض الناس فباعوه عبدا لأحد الأغنياء في المدينة، ثم باعه سيده لغني آخر. وبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم تعرف عليه سلمان الفارسي وسمع منه عن الدين الذي يدعو إليه، فصدق وآمن به وأصبح من صحابته. ثم حث النبي صلى الله عليه وسلم سلمانا على أن يسعى في استرداد حريته، وطلب من المسلمين مساعدته ماديا، فتم له ذلك واستطاع أن يشتري حريته من مالكه.
ولما تحركت الأحزاب باتجاه المدينة، اقترح سلمان على النبي صلى الله عليه وسلم اعتماد خطة دفاعية لم يكن للعرب أو للمسلمين معرفة بها من قبل، وهي أن يحفر المسلمون خندقا حول جبل سلع في المدينة، بحيث تكون ظهورهم للجبل يحتمون به، ويكون الخندق أمامهم عامل حماية لهم، يمنع الجيش المهاجم من الوصول إليهم. وافق النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الإقتراح، وأمر ببدء العمل فيه فورا، ووجه أيضا بتأمين النساء والأطفال في مواقع حصينة يصعب على الجيش المعادي أن يصل إليها.
شارك سائر أهل المدينة في حفر الخندق، وكلف النبي صلى الله عليه وسلم كل عشرة أشخاص بحفر مساحة قدرها أربعون ذراعا، وتعاون الناس على أعمال الحفر ونقل التراب في أجواء من الحماسة الشديدة والإستعداد للتضحية، إلا قلة من حزب المنافقين داخل المدينة، فقد كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم بالأعذار من أجل ترك ميدان العمل والعودة لأهاليهم.
شارك النبي صلى الله عليه وسلم في أعمال حفر الخندق، ونقل التراب مع أصحابه، وكان يردد بعض الأناشيد معهم لإضفاء أجواء التفاؤل والإنشراح في الموقع.، ويعلو صوته صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء الأهزوجة:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة
فاغفر للأنصار والمهاجرة
وهنا يجيب الصحابة منشدين:
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا
واستعار النبي صلى الله عليه وسلم من شعر واحد من أصحابه، عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، أبياتا تعبر عن بعض ملابسات ذلك الموقف الصعب:
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا
من جهة أخرى، كانت فترة حفر الخندق أيام شدة وضيق. فالعدو المقبل يستهدف استئصال الإسلام من جذوره، والإمكانيات المتاحة لرده وردعه قليلة، والموارد المالية شحيحة، والجوع منتشر في صفوف المسلمين الذين يحفرون الخندق، حتى كان بعضهم لا يلقى طعاما يأكله لمدة ثلاثة أيام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعيش مثل أصحابه، وذكر أنه كان يضع الحجارة على بطنه الشريفة من شدة الجوع.
رغم القسوة الشديدة لهذه الظروف، كان النبي صلى الله عليه وسلم يطمئن أصحابه إلى خير كبير ينتظرهم وينتظر البشرية كلها في المستقبل. قال سلمان الفارسي يروي بعض يوميات حفر الخندق: “ضربت في ناحية من الخندق، فغلظت علي صخرة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب مني. فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان علي، نزل فأخذ المعول من يدي، فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة. ثم ضرب به ضربة أخرى، فلمعت تحته برقة أخرى. ثم ضرب به الثالثة، فلمعت تحته برقة أخرى. قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا الذي رأيت لمع تحت المعول وأنت تضرب؟ قال: أوقد رأيت ذلك يا سلمان؟ قلت نعم. قال: أما الأولى فإن الله فتح بها علي اليمن، وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق”.(7)
بالنسبة للمسلمين وسائر المؤمنين بالأدلة التاريخية، تعد هذه الرواية عن سلمان الفارسي دليلا إضافيا على صحة نبوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. فقد تحقق ما قاله في هذا الموقف بالحرف، وانتشرت مبادئ الإيمان بالله وحده لا شريك له وتعاليم الإسلام في اليمن، وفي الشام والمغرب حتى وصلت السينغال وأنحاء واسعة في غرب أفريقيا، وفي إيران والهند شرقا حتى وصلت إلى ربوع الصين. ولو قدر لعدو من أعداء الإسلام، أو واحد من المحسوبين على حزب المنافقين في المدينة أن يسمع ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسلمان أيام حفر الخندق لضحك ملء شدقيه سخرية من المسلمين: كيف يتطلعون إلى انتشار تعاليمهم في شرق العالم وغربه، وهم محاصرون في مكان ضيق عند جبل من جبال المدينة، يهاجمهم جيش كبير يوشك أن يستأصلهم بالكامل؟!
كان هذا هو بالضبط موقف معتب بن قشير، أحد الذين حضروا حفر الخندق ولم يتقبلوا وعود النبي بانتصارات عظيمة آتية في تلك الظروف، وقال: محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط!
نجح المسلمون في الإنتهاء من حفر الخندق قبل وصول جيش تحالف العدوان، الذي ضم عشرة آلاف مقاتل من قريش، وبني كنانة، وأهل تهامة، وغطفان ومن تبعهم من أهل نجد، إضافة لمقاتلين من قبائل بني فزارة وبني مرة وأهل أشجع. نزل الجيش المعتدي قريبا من جبل أحد، في الجهة المقابلة لجيش المسلمين الذي تحصن بجبل سلع، وكان تعداده ثلاثة آلاف مقاتل. وكان الخندق يفصل بين الجيشين.
في تلك اللحظات العصيبة، سعى حيى بن أخطب النضري الذي برز دوره في تعبئة عدوان قريش وتحالف الأحزاب المؤيدة لها منذ البداية، سعى إلى توجيه ضربة موجعة جديدة للمسلمين لم يكونوا يحسبون لها حسابا. فقد توجه إلى منزل كعب بن أسد القرظي، المسؤول الأول عن عقد بني قريظة وعهدهم وطلب إجراء مشاورات عاجلة معه.
كان كعب هو الشخص الذي فاوض النبي صلى الله عليه وسلم من قبل وتوصل معه إلى اتفاق وعهد أمان وسلام باسم قومه بني قريظة، فلما جاءه حيى بن أخطب يطرق بابه رفض في البداية أن يفتح له، وقال له: ويحك يا حيى، إنك امرؤ مشؤوم، وإني قد عاهدت محمدا، فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا. لكن حيى ألح في طلب الدخول ولم يغادر حتى فتح له الباب.
وعندئذ قال حيى لكعب: ويحك يا كعب، جئتك بعز الدهر وببحر طام، جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد، وقد عاهدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه.
رد كعب على عرض حيى: جئتني والله بذل الدهر، وبجهام (أي بسحاب لا ماء فيه) قد هراق ماءه، فهو يرعد ويبرق ليس فيه شيء. ويحك يا حيى، فدعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء.
ولم ييأس حيى من هذا الرفض الأولي، وإنما زاد في الإلحاح والمجادلة حتى أقنع كعبا بنقض عهده مع الرسول صلى الله عليه وسلم، مقابل ضمانات بالحماية والإنتقال إلى حصن حيى إذا رجعت جيوش التحالف المعادي من دون أن تستأصل النبي وأصحابه. (8)
وهكذا اشتد الحصار على النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين. فقبائل العرب تطوقهم بجيش كبير، وحلفاء الداخل ينقضون العهد ويتحالفون مع الأعداء المهاجمين، والمنافقون المنضوون الى تجمع الإسلام بألسنتهم يروجون للهزيمة، ويتسللون من معسكر النبي عائدين لبيوتهم. وقد وصف القرآن الكريم تلك الأجواء الخطيرة العصيبة في عدة آيات كريمة من سورة الأحزاب:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ. إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وتظنون بالله الظنونا. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا. وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. وإذ قالت طائفة منكم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا. ويستأذن فريق منهم النبي، يقولون إن بيوتنا عورة، وما هي بعورة، إن يريدون إلا فرارا. ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها، وما تلبثوا بها إلا يسيرا. ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار، وكان عهد الله مسؤولا. قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل، وإذا لا تمتعون إلا قليلا. قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة، ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا”. (الأحزاب: 9-17)
حاول النبي صلى الله عليه وسلم أن يشق التحالف المعادي له، ففاوض قائدي جيش غطفان عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري، على أساس أن يعطيهما ثلث ثمار المدينة مقابل أن يعودوا ومن جاء معهم من مقاتلي غطفان إلى ديارهم وينسحبوا من الجبهة التي تحاصر المدينة. لكن اثنين من زعماء أهل المدينة، سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، لم يتحمسا للعرض. وقال سعد بن معاذ للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا. أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم”. (9) فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه.
حال الخندق بين جيوش التحالف المعادي وبين أن يشنوا هجومهم النهائي ضد المسلمين، وذكر أن عددا من زعمائهم “أقبلوا تعنق (تسرع) بهم خيلهم حتى ووقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا: والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها”. (10).
ولجأ المشركون عندئذ إلى إحكام الحصار على المسلمين، وتبني سياسة الإنتظار، على أمل أن تنهار حصون المسلمين ودفاعاتهم. وجربت بعض كتائب قريش والأحزاب المتحالفة معها اجتياز الخندق فتصدى لها المسلمون وردوها على أعقابها. كما حصلت بعض المواجهات الفردية، أشهرها بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعمر بن عبد ود، وقد انتصر فيها علي وتمكن من قتل خصمه. وتمكن أحد المقاتلين من جيش الأحزاب من إصابة سعد بن معاذ رضي الله عنه بسهم في ذراعه إصابة بليغة، مرض منها سعد أياما ثم لقي الشهادة.
ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يود أن يعلن إسلامه وينضم إلى معسكر المسلمين، وبدأت من تلك اللحظة قصة حفظها تاريخ الإسلام، كان لها أثر كبير على النتيجة النهائية لغزوة الأحزاب.
اسم الرجل نعيم بن مسعود، من قبيلة غطفان، وقد جاء إلى النبي وقال له: “يا رسول الله إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة”. (11)
وأثبتت وقائع الساعات اللاحقة أن نعيما كان رجلا حكيما وذكيا، مما أهله لإدخال البلبلة والإنقسام في صفوف الجيوش المعتدية.
فشل الحملة العسكرية لتحالف العدوان
توجه نعيم بن مسعود مباشرة إلى بني قريظة وأجرى مباحثات عاجلة مع زعمائهم، مستندا إلى علاقة مودة قديمة كانت تجمعه بهم. قال لهم: يا بني قريظة، قد عرفتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم. فأمنوا على حديثه وأجابوا: صدقت، لست عندنا بمتهم. عندئذ أضاف نعيم: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم، والبلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره. وإن قريشا وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فليسوا كأنتم، فإن رأوا نهزة (أي فرصة) أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم إن خلا بكم.
ثم عرض نعيم على زعماء بني قريظة اقتراحا محددا، وقال لهم: لا تقاتلوا مع قريش وغطفان حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم، يكونوا بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه. وكان من دواعي سرور نعيم أن اقتراحه لقي موافقة تامة وغير مشروطة من بني قريظة.
ثم توجه نعيم بن مسعود إلى جيش قريش، وأجرى مباحثات عاجلة مع أبي سفيان بن حرب وعدد من القياديين البارزين الآخرين. قال لهم: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت حقا علي أن أبلغكموه نصحا لكم، فاكتموا عني. فقالوا: نفعل. عندئذ استعرض نعيم موقف بني قريظة في الحرب وزعم لقريش أنهم قد ندموا على نقضهم العهد مع المسلمين، وأضاف أنهم أرسلوا إلى محمد يقولون له: إنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم، فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم. وأكد نعيم أن محمدا قبل من بني قريظه هذا العرض، ثم ختم حديثه بنصيحة لقادة قريش، وهي نصيحة بديهية من سياق حديثه، يحثهم فيها على ألا يسلموا أحدا من رجالهم رهنا لبني قريظة إن جاءهم طلب بهذا المعنى.
وانطلق نعيم بن مسعود بعد ذلك إلى زعماء قبيلة غطفان، وقال لهم: يا معشر غطفان، إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي، ولا أراكم تتهموني. قالوا صدقت، ما أنت عندنا بمتهم. قال: فاكتموا عني. قالوا: نفعل، فما أمرك؟ عندئذ حدثهم نعيم بما حدث به قادة قريش، فقبلوا نصيحته واعتمدوا رأيه.
جرت كل هذه المواجهات والمشاورات والمناورات في شهر شوال من العام الخامس للهجرة، الموافق للعام الميلادي 627. في مساء أحد أيام الجمعة من منتصف هذا الشهر، أرسل زعماء قريش وغطفان وفدا مشتركا إلى بني قريظة يقوده عكرمة بن أبي جهل، فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام، وقد هلك الخف والحافر (أي الإبل والخيل)، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا، ونفرغ مما بيننا وبينه. فأجاب زعماء بني قريظة، بأن الغد يوم سبت، وهو يوم لا يفعلون فيه شيئا، ثم أضافوا: ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم، يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال إن تنشمروا (أي ترجعوا) إلى بلادكم وتتركونا، والرجل في بلدنا، ولا طاقة لنا بذلك منه.
وعاد عكرمة بن أبي جهل ومن معه إلى زعماء قريش وغطفان فأبلغوهم بمطالب بني قريظة، فكانت النتيجة أنهم تيقنوا من صحة ما رواه لهم نعيم بن مسعود، وبعثوا بجواب حاسم لبني قريظة. قالوا لهم: إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا. فقالت بنو قريظة حين جاءتهم الرسل بهذا الجواب: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم. فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله لا نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا. فرفضت قريش وغطفان الطلب مجددا، وبذلك تصدع التحالف المعادي للنبي صلى الله عليه وسلم وساد الخلاف الشديد بين أطرافه. (12)
ودخل عامل آخر في حسم نتيجة غزوة الأحزاب هو عامل الظروف الجوية. فقد حلت بالمدينة موجة برد شديدة، وكان الفصل فصل الشتاء، وعصفت الرياح بقوة لأيام وليالي متتابعة، فجعلت تطيح بقدور الجيوش المعتدية وبخيامها وأبنيتها، فما عادوا قادرين على طبخ ما يأكلون، وأصبح المقام بالنسبة لهم في غاية الصعوبة والشدة.
كل هذا والمسلمون مع نبيهم صلى الله عليه وسلم يعانون من الحصار والجوع والخوف في صبر وإيمان. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استشعر أن الفشل والخذلان استشريا في صفوف أعدائه رغم كثرة مقاتليهم وكثرة سلاحهم، فجمع أنصاره في وقت متأخر في إحدى ليالي غزوة الخندق وقال لهم: “من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع، أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة؟” (13)
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أحد الصحابة المشهورين، وكان حاضرا ذلك الإجتماع: “فما قام رجل من القوم، من شدة الخوف، وشدة الجوع، وشدة البرد. فلما لم يقم أحد، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني. فقال: يا حذيفة، اذهب فادخل مع القوم فانظر ماذا يصنعون، ولا تحدث شيئا حتى تأتينا. فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء. فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش: لينظر امرؤ من جليسه؟ فأخذت بيد الرجل الذي كان جنبي، (والحديث ما زال لحذيفة بن اليمان)، فقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان. ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف (أي الخيل والإبل)، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل. ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه ثم ضربه، فوثب به على ثلاث، فوالله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم”. (14) وعاد حذيفة بن اليمان بالأخبار السارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وهكذا انهارت حملة الأحزاب ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وانفرط عقدها، وانتهى أمرها إلى انسحاب كامل من دون تحقيق أي مكسب عسكري أو سياسي يذكر. وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم الأبعاد الإستراتيجية لهذا الإنسحاب القرشي فقال لأصحابه ما أثبتت الأيام لاحقا صحته: “لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا، ولكنكم تغزونهم”. (15)
وعلى مدى فترة الحصار كلها، وهي ثلاثة أسابيع، لم يستشهد من المسلمين إلا ستة أشخاص هم سعد بن معاذ، وأنس بن أوس، وعبد الله بن سهل، والطفيل بن النعمان، وثعلبة بن غنيمة، وكعب بن زيد. وقتل من الجيش المعتدي ثلاثة أشخاص: عثمان بن أمية، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة، وعمرو بن عبد ود.
أما بنو قريظة فقد واجهوا عواقب نقض عهودهم مع المسلمين. لو أن جيوش قريش وغطفان المتحالفة مع بني قريظة، خاضوا حربهم التي خططوا لها، وحاصروا المدينة في سياقها ثلاثة أسابيع، لانتهى الأمر على الأرجح بسقوط دولة المدينة واستئصال كامل للمسلمين. ولعل زعماء بني قريظة قد قرأوا الخارطة السياسية والعسكرية آنذاك فتوصلوا إلى قناعة قوية بأن المعسكر المعادي للإسلام قادر على هزيمة المسلمين واستئصالهم، فأرادوا أن يكونوا ضمن المعسكر المنتصر لا ضمن المعسكر المهزوم والمرشح للإستئصال. وفي التاريخ أمثلة أخرى كثيرة على حسابات خاطئة مشابهة تتبناها قبائل وشعوب ودول. أما وقد سارت الأمور على غير ما أراده التحالف المعادي للمسلمين، فقد دفع بنو قريظة ثمنا باهضا لمشاركتهم في هذا التحالف، ولنقضهم العهد مع المسلمين.
بالنسبة للمسلمين، كان واضحا أن حملة الأحزاب لن تنتهي إلا إذا تم التعامل مع الخطر الداخلي، مع الطرف الثالث في تحالف العدوان، وإزالة التهديد الإستراتيجي الذي يمثله على أمن الدولة المسلمة. ولذلك تحرك الجيش المسلم في ذات اليوم الذي عاد فيه النبي إلى المدينة بعد انسحاب جيوش قريش وغطفان، تحرك إلى بني قريظة وحاصرهم، وهزمهم، وحكم سعد بن معاذ قبل استشهاده بقتل المقاتلين من بني قريظة، عقابا لهم على مشاركتهم في تحالف عسكري معاد سعى لإسقاط الدولة الإسلامية واستئصال أهلها.
وهكذا نجا المسلمون من حملة عسكرية ضخمة شارك فيها تحالف كبير تشكل من عدة أطراف جمعت بينها الكراهية لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، ورفض الإعتراف بمبادئ حرية الإعتقاد وحرية العبادة، وجمعت بينها أيضا نزعة عدوانية تتبنى خيار مواجهة الإيمان بالسيف. وسجل القرآن الكريم في سورة الأحزاب وصفا لنبل المسلمين وصدقهم واستعدادهم للتضحية من أجل الإيمان بالله وحده لا شريك له، وبين فضل الله تعالى على المؤمنين فيما يتعلق بالنتيجة النهائية لحملة الأحزاب:
“لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا. ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيمانا وتسلميا. من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، ومخا بدلوا تبديلا. ليجزي الله الصادقين بصدقهم، ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم. إن الله كان غفورا رحيما. ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا، كفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويا عزيزا”. (الأحزاب: 21-25)
(1) ـ سيرة ابن هشام. الجزء الثالث. مصدر سابق. ص 45
(2) ـ المصدر السابق. ص 103
(3) ـ المصدر السبق. ص 120
(4) ـ المصدر السابق. ص 123
(5) ـ صحيح البخاري. الجزء الثالث. مصدر سابق. ص 50
(6) ـ المصدر السابق. ص 54
(7) ـ سيرة ابن هشام. الجزء الثالث. مصدر سابق. ص 130
(8) ـ تفاصيل الحوار بين حيى بن أخطب النضري وكعب بن أسد القرظي واردة في سيرة ابن هشام. الجزء الثالث. مصدر سابق. ص 131-132
(9) ـ سيرة ابن هشام. الجزء الثالث.. ص 133-134
(10) ـ سيرة ابن هشام. الجزء الثالث. ص 134
(11) ـ سيرة ابن هشام. الجزء الثالث. مصدر سابق. ص 137
(12) ـ سيرة ابن هشام. الجزء الثالث. مصدر سابق. ص 137-139
(13) ـ المصدر السابق. ص 139
(14) ـ المصدر السابق. ص 139-140
(15) ـ المصدر السابق. ص 156
0 comments on “الفصل الثامن من كتاب الدكتور محمد الهاشمي الحامدي: السيرة النبوية للقرية العالمية ـ طبع أول مرة عام 1996”